25‏/03‏/2010

طهران وتل أبيب جناحي النظام السوري ( الجزء الثاني )



كنا في الافتتاحية الماضية قد تفحصنا بعضا من بنية العلاقة التي تشكل الجناح الأول، لهذا النظام في دمشق، وهو الجناح الإيراني، حيث ختمنا أن الحديث عن فك التحالف بين طهران ونظام دمشق هو إضعاف للجناح الإسرائيلي ، لأن الجناح الإسرائيلي ، هو من أكثر دول المنطقة معرفة بخبايا النظام في دمشق بعد إيران طبعا، وإسرائيل ونخبها الحاكمة تدرك جيدا أن النظام السوري في دمشق، عبارة عن عصابة، فهي تعرف، ماذا يعني أن يذهب ماهر الأسد ليلتقي مسؤولين إسرائيليين في عمان، قبل سنوات، ما موقعه في الحكم السوري، سوى انه أخ لرأس النظام، ويتحكم بمصير المؤسسة العسكرية كلها، تعرف إسرائيل ما هي أولويات النظام، وتعرف كيف يدير أموره، في لبنان وفي فلسطين، سواء مع حركة حماس أو غيرها من الحركات المقاومة، وبالمؤدى الأخير ما الذي تريده النخب الإسرائيلية المتشددة دينيا وسياسيا وهي الآن الغالبية العظمى من النخب الحزبية في إسرائيل، ما الذي تريده؟

قضم الأرض الفلسطينية، والجولان السوري المحتل بالتقادم، على طريقة لواء أسكندورن الذي تنازل عنه بشار الأسد دوليا وقانونيا. إسرائيل لديها القوة العسكرية، ولكن ليس لديها القوة الاقتصادية ذات العمق الجيوسياسي والجيو اقتصادي والديمغرافي حتى، فهي إذن من مصلحتها تقوية بنيتها الاقتصادية عبر قضم مزيدا من الأرض وما تحتويه من ثروات، وعبر بقاء الدول المحيطة بها متخلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لهذا هي تدعم استمرار التخلف من خلال دعمها غير المباشر ولكنه دعما قويا لنظام بشار الأسد واستمراره، فماذا تريد إسرائيل، سوى اقتصاد شبه منهار، وغير قادر على المنافسة في أي مجال، وشعب منهك، ومقموع وصوته لا يصل حتى حنجرته، وجيش عاجز، ونظام يعجز عن السلام كما يعجز عن الحرب، ما الذي تريده إسرائيل من سورية أكثر من ذلك ؟

بالمحصلة إسرائيل وإيران قد يبدوان أعداء ولكن كل الدلائل انهما مشتركان في حب النظام السوري .

عبد الستار عطار

11‏/03‏/2010

طهران وتل أبيب جناحي النظام السوري.



تعيش المنطقة منذ مجيء باراك أوباما للحكم في أمريكا، حالة من خلط الأوراق المخلوطة أصلا، ومن ضمن هذه الأوراق الذي يحاول بعضا من الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، محاولة خلطها من جديد، بشيء من التضليل، وهذه الأوراق هي التي تتعلق بالملف الإيراني السوري .

بداية لا بد لنا من التأكيد أن التحالف الإيراني السوري تحالفا ليس خارجيا فقط، كما يبدو للبعض، بل هو تحالف خارجي وداخلي، بمعنى أن البنية الداخلية لهذه العلاقة باتت محكومة، بما يمكننا تسميته، تعلق وجودي بين النظامين في دمشق وطهران. فاستمرار وجود كل طرف مرتبطا باستمرار وجود الطرف الآخر. علما أن هذا لا يغير في أن طهران موقعها أقوى في هذه العلاقة الوجودية، ومن الأسباب الذاتية: وجود نظام مؤسساتي في طهران ووجود دولة في الحد الأدنى، وهذا غير متوفر في سورية، التي تحكمها عصابة من مجموعة أشخاص عاجزين عن أن يتحولوا للحكم وفق منظار مؤسساتي. والدليل أن في طهران مؤسسات تشكل مراكز قوى فعلية داخل المجتمع الإيراني، وتتنافس بطرق قانونية، مجلس الخبراء الذي ينتخب المرشد الأعلى، ومجلس صيانة الدستور، ومؤسسة الرئاسة الإيرانية، ومجلس النواب الإيراني...الخ.كلها تتنافس فيها برامج حتى ولو كانت على أرضية نفس النظام، وضمن آلياته المتعددة، بينما في دمشق، لا يوجد مراكز قوى أبدا، سوى أفراد وقوتهم ناتجة عن مدى قربهم من رأس النظام، وبشكل شخصي وعائلي أحيانا، وهذا غير موجود أيضا في طهران، وكلنا يذكر منذ فترة قريبة الأزمة التي حدثت جراء تعيين الرئيس الإيراني لأحد أنسباءه، مما أثار ضجة أدت إلى تراجع نجاد عن هذا التعيين. لهذا هنا إيران محكومة باستراتيجيه مؤسساتية، بينما سورية محكومة بلا استراتيجية فردية، وهذا أيضا يجعل إيران أقوى في هذا التحالف الوجودي بين النظامين .

إيران في إستراتيجيتها توسيع نفوذها في المنطقة، ودمشق استراتيجياتها الحفاظ على استمرار تحكم عائلة الأسد بالسلطة والبلد، وهذه النقطة، تجعل مطالب عائلة الأسد هي الحماية، ودفع الإتاوة لنظام طهران، وطهران تعرف المرض جيدا، وتتعامل معه وفقا لمصالحها كدولة، ولأن جزء من هذه الإستراتيجية اعتمد على هذا الشكل من النظام في دمشق، لهذا طهران تساعد وتقدم الغالي والرخيص من أجل ألا يتغير هذا النظام، فلو تغير النظام وعلت مصلحة الدولة السورية، على مصلحة العائلة الأسدية، لما استطاعت طهران أن تمرر إستراتيجيتها، وإيران وحدها تقريبا التي تعي بشكل مباشر وغير مباشر أن استمرار نفوذها يعتمد على استمرار هذا النظام أو هذا الشكل من الحكم الاستثنائي في دمشق. ومن جهة أخرى لو حدث تغيرا في إيران لن يجد نظام دمشق، من يشكل له سندا وضامنا حقيقيا. وهذا ما يحاوله مع إسرائيل، ولكن بشكل غير مباشر من جهة، وهو غير مضمون من جهة أخرى، لأن إسرائيل دولة لها وضعيتها الخاصة، وهذا ما سنتناوله في افتتاحية أخرى .


عبدالستار عطار