09‏/12‏/2009

جاري سعيد، والشعب السوري السعيد .. والدعم الحكومي


أتذكرون جاري "سعيد" ..؟ الذي اعتمدته اللجنة الفاحصة للشعوب واعتبرته مقياساً للشعب السوري السعيد، والذي كان عنواناً رئيساً والسبب لمقالي "سعيد من شعب سعيد" ....؟
"سعيد" جاري، يكاد يطير من السعادة لأنه لا يملك سيارة، وليس لديه هاتف خليوي، ولا يستخدم هاتفه الأرضي إلا للضرورة القصوى فقط، وهو موظف درويش وزوجته موظفة لدى حكومتنا الموقرة، وليس لديه وأسرته سوى البيت الذي يقطنون بالأجرة، وهو لم يفكر أو يطمح في يوم من الأيام بالحصول على سجل تجاري أو سياحي، وبالطبع فهو لا يملك أرضاً ليكون لديه سجل زراعي، وليس لديه منشأة صناعية ليحصل على سجل صناعي.
وهو مواطن عربي سوري منذ نعومه أظفاره حيث أنه وُلد في مدينة عربية سورية من أبوين عربيين سوريين ويتمتع بالجنسية العربية السورية – لاحظوا معي كلمة يتمتع رجاءً – فهو يصبح بذلك سعيداً ومتمتعاً في آن واحد.
سمع جاري "سعيد" بقانون توزيع الدعم إلى مستحقيه خلال دوامه الوظيفي، وأتاني مكتبي منذ قليل (مساء اليوم 19/11/2009) متمتعاً بالسعادة لأنه يستحق الدعم الحكومي، قاطعني عن قراءتي لما كتبه السادة "علي عبود" و "محمد عيسى العلي" ومضى بحديثه منشرح القلب ضاحكاً حتى كادت العدوى تغلبني، فاجأته بسؤال عن مدى معرفته بمقدار الدعم فأجاب أنه ليس بالمهم بل المهم أن الحكومة تهتم به وبأمثاله من المواطنين الدراويش، سألته مجدداً هل يكفيه مقدار الدعم فأجاب أن السيد رئيس الجمهورية سيصدر منحة على عيد الأضحى المبارك وأنه سينال نصف راتبه على الأقل وسيضعه مع الدعم بحيث يكفيه طوال فصل الشتاء.
قرأت له البعض مما كتب عن موضوع "الدعم" فاغتمّ بعض الشيء ثم قاطعني بأن حكومتنا ليست بجاهلة وأنها تعلم أكثر مني ومنه، سألته بعد طول صبر وعناء : أسعيد أنت يا سعيد ..؟ فضحك شامتاً مني لمعرفته بما كنت كتبت سابقاً وأجاب : طبعاً، قد كان والدي رحمه الله ذكياً حين أسماني "سعيد".... رحم الله أبا سعيد، كم كان مستشرفاً للمستقبل، رغم قناعتي أن الكثير ممن اسمهم كاسم جاري "سعيد" ليسوا متمتعين بالسعادة التي يتمتع بها جاري.
لن أحبط سعادة سعيد، ولن أكشف سرّه للحكومة، إنه جاري وسأدعه متمتعاً بسعادته كما اسمه، سأدع الكرة في ملعب حكومتنا الرشيدة لاختبار قدرتها في كشف من لا يتقدم ببيانات صحيحة، وقدرتها في كشف الحقائق ومدى معرفتها أكثر مني ومن جاري "سعيد"
سأكشف السرّ لكم جموع القارئين لمعرفتي أن حكومتنا من فرط رشدها لا تقرأ ما يكتبه المغرضون... إن لجاري "سعيد" سجلاً تجارياً منذ أعوام عشرة سبق أن أقنعته بالحصول عليه لمصلحتي التجارية، وقد نسيه لعدم لزومه له.
أرجو من الله سبحانه وتعالى، وعسى أن يقبل دعائي ورجائي كقبوله دعاء ورجاء إخوتنا حجاج بيته الحرام... أرجوه مسامحتي بداية للسجل التجاري الذي حصلت عليه باسم جاري السعيد، وأرجوه ألا تصادف أية لجنة دولية سرية جديدة جاري "سعيد" ، وألا يصادفه أحد من المهتمين أو المتابعين أو الناشطين في الحقل العام الدولي، لأننا بذلك سنحصل على المرتبة الأولى في سلم السعادة العالمي كشعب سوري سعيد بل ومتمتع وطافح بالسعادة.
ادعوا معي حماكم الله

04‏/12‏/2009

مأسسة الطائفية في سورية


ليس حديثنا اليوم سرداً ذاتياً، بقدر ما هو غوص في الأعماق، وذلك بحثاً عن الإجابات للأسئلة الكثيرة التي طرحها المهتمون بالشأن السوري، وقد يطول أو لا يطول بنا المقام في استقصائها قدر ما استطعنا.
بما أن الحديث القديم - الجديد الدائر عن الطائفية في سورية ، بات محوراً لكل المتابعين ، فإننا وبكل موضوعية سنضع القارئ أمام ملاحظات حية من وحي الواقع السوري الراهن ، بما يتوافق أو يتعارض مع أطروحات النظام السوري و المعارضة ، لكن الحقيقة لا بد أن تقال ، حتى وأن كانت نسبية على مراحل متتالية ، إدراكاً منا باستحالة امتلاكها ، إلا أن الاقتراب منها ، يعني التعرف عليها وتعريف الآخرين بها .
والحقيقة أن الطائفية مثلها مثل أي عملة، لها وجهان، وجه أبيض ووجه أسود، ولا نقول وجه حسن وآخر قبيح، احتراماً لعقل القارئ ومشاعره النبيلة.
يظهر الوجه الأبيض للطائفية في كونها حقيقة قائمة في كل مجتمع إنساني على وجه الأرض ، ورغم اندراجها في خانة الأقليات ، إلا أن بياضها كناية عن الغنى الثقافي والتراثي ، فضلاً عن صور التعايش والتسامح القائمة بين أفرادها .
أما الوجه الأسود، فيتجلى في الاتجاهات التعصبية لطائفة بعينها، وذلك عبر رفضها العيش والتعايش مع الآخر، ورفضها الاعتراف بكيانه السياسي والاجتماعي ، بما يصل بها المقام إلى حد الاستعلاء الباعث على تكريس العنصرية في نهاية المطاف كأحد أوجه العصبية الطائفية .
هذان الوجهان الطائفيان يتداخلان أشد التداخل في سورية اليوم ، والدليل على الطائفية وعلى سقمها ، الذي لا يحتاج إلى طبيب أو باحث ، أنها واضحة وضوح الشمس في رابعات النهار ، لكن الجديد في المسألة ، أن الطائفية لم تعد بوصفها داء مقيتاً ، حلقة مفرغة من حلقات النظام السوري تدور في ثناياها السلطة والمجتمع في ما يشبه الشرنقة التي استحوذت على الداخل بفعل تأثيرات المحيط الإقليمي ، وهي لم توفر أحداً من مثقفي النظام ، بل غدت الطائفية ككيانات متعددة في جسم واحد ، هو جسم النظام .
فثمة كيان عسكري وآخر سياسي وثقافي وحتى فني ورياضي ، إلى الحد الذي جعل الطائفية في سورية مؤسسة قائمة بذاتها ، أي اختزال الطائفية في مؤسسات الدولة الوطنية الأولى منذ الاستقلال ( الأول ) أو لنقل مأسستها ، أي مأسسة الطائفية من خلال ترويضها وتوظيفها في مؤسسات الدولة .
كما لا يمكن تحميل تيار سياسي بعينه ، مسؤولية الإغراق الطائفي للمجتمع ، بما في ذلك حزب "البعث" ، الذي لا يملك من أمره شيئاً ، سوى أنه كان ولا زال حتى الأمس القريب واجهة من واجهات السلطة ، وبالتالي ستر عوراتها الطائفية .
بكل الأحوال ، لا يوجد أدنى مبرر لاستفحال أزمة الطائفية والتهامها لهياكل الدولة كما في الحالة السورية ، سوى الخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها في المستقبل ، والسؤال هنا ، ما الذي دفعها ودفع النظام السوري إلى مأسسة ذاته الطائفية ، أهو الخوف من الماضي على حساب معطيات الحاضر ؟.
يعلم النظام السوري ، كما نعلم واقع الطائفة العلوية وموقعها في بنية المجتمع السوري من النواحي كافة ، كما نعلم حجمها السياسي والثقافي في الماضي والحاضر ، وهو يتساوى إلى حد كبير ما لدى الطوائف الأخرى من تاريخ وحضور كبيرين على الساحة السورية ، لكنه وبجميع الأحوال ، لا ينبغي لأحد أن يسمح لنفسه أو لطائفته بتخطي حدود الدولة باسم الوطنية أو الهوية السورية ، حتى الأخيرة باتت مزيفة بفعل الطائفية .
فما معنى أن يحمل السوري هوية لا يستطيع بها أو من دونها ، أن يصبو إلى أحلامه وأهدافه ، لتبقى من نصيب غيره ، من ذوي اللون الذي يتطابق مع لون النظام ، ولا نبالغ إذا ما قلنا ، أن الهوية السورية جرى قضمها بفعل التزييف والتهميش ، فهي ثمينة في سوق النظام ، ورخيصة في سوق السواد الأعظم .
إن الطائفية في سورية ليست حالة اجتماعية مثلها مثل الحالة اللبنانية أو العراقية ، لقد كانت بالأمس البعيد حالة اجتماعية لا علاقة لها بالدولة ، لكنها باتت اليوم حالة سياسية مقنعة ، أتت على المجتمع والدولة ككل واحد ، وأخطر ما في الأمر انتقالها المنظم من ثنايا المجتمع إلى قلب السلطة فالنظام ، ولا نعلم إلى أين ستصل مستقبلاً .