ما قلناه آنفا يقترب من الحقيقة حتى يكاد يلامس اليقين كعين الشمس في رابعة النهار، ولا يحتاج إلى كبير جهد ذهني لتأكيد خوف حكام دمشق من المحكمة الدولية بعد أن عرضت قوى 14 آذار أن يتم اعتماد المحكمة الدولية مقابل التنازل عن الثلث المعطل أوالضامن، وأن يتم التوافق على القضيتين بالتزامن في وقت واحد، وهو ما وافق عليه نصر الله بعد مقابلته "عمرو موسى" الأولى، ثم تراجع عنه بعد زيارة "موسى" إلى دمشق.
فليس سرا أن نظام الرئيس الراحل "حافظ أسد" لم يتورع عن اغتيال السوريين سرا وجهرا ،داخل سورية وخارجها، إفراديا وفي الجملة، إلى الدرجة التي يحق للمؤرخين أن يسموه "نظام القتلة". شجع النظام على ذلك سكوت أمريكي مريب عنه وصل حد التواطؤ، خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.
وإذ شعر حكام دمشق أنهم فشلوا في إقناع الشعب السوري بالقبول بهم حكاما، لأنهم جاؤوا إلى السلطة بانقلاب، وإنهم لا يستطيعون البقاء في السلطة في جو ديموقراطي، لأن طبيعة حكمهم واعتمادهم على القمع يتناقضان مع مفردات الديمقراطية من شفافية وتعددية وتداول للسلطة عبر صناديق الاقتراع، كل ذلك وغيره مما لا يتسع المقام لتفصيله، جعل هؤلاء الحكام يفضلون الأساليب القمعية من تسريح تعسفي واعتقال ومصادرة أموال. ومَنْ لم يُجْدِ معه الأساليب السلطوية الاستبدادية، تم اللجوء معه إلى التصفيات الجسدية داخل المعتقلات كما حصل في سجن تدمر، أو في وضح النهار أثناء عمليات تطويق المدن حيث يحاصر أهل الحي ويطلق عليهم الرصاص، كما حدث في صبيحة عيد الفطر عام 1980 حيث كانت الفرقة الثالثة التي يقودها العميد "شفيق فياض" تمشط أحياء حلب. ففي حي المشارقة في حلب كان أكثر من 100 مواطن يزورون مقبرة "هنانو"، حوصروا وتمت تصفيتهم، ومنهم الأستاذ الجامعي في كلية الهندسة الدكتور البعثي "عبد الرزاق عرعور".
ولأن بعض معارضي حكام دمشق، - شارك بعضهم في الحكم ثم اختلف معهم- استطاع الإفلات ولجأ إلى دول الجوار أو أوروبا، فقد تم تعقبهم حيث لجأوا، ومن ثم تم اغتيالهم. فمن الذين تم اغتيالهم -على سبيل المثال لا الحصر- اللواء محمد عمران وزير الدفاع في حكومة رئيس الدولة أمين الحافظ، حيث تم تعقبه إلى بيروت واغتيل فيها عام 1972 .كما تم في باريس اغتيال صلاح البيطار رئيس أول حكومة بعثية بعد انقلاب 8 آذار 1963 الذي جاء بحزب البعث إلى السلطة، لأنه كتب مقالا عام 1981 هاجم فيه نظام حافظ أسد لأنه استخدم العنف والأسلوب الأمني في حكم سورية.
ومن الذين تم اغتيالهم من الإسلاميين، السيدة "بنان الطنطاوي" بنت الشيخ "علي الطنطاوي" وزوجة الأستاذ "عصام العطار" المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين. فقد أرسل نظام حكام دمشق عناصر مخابراته في عام 1981 إلى مدينة "آخن" في ألمانيا وتسللوا إلى بيت العطار. ولما لم يجدوه في البيت اغتالوا زوجته. كما اغتيل المهندس نزار الصباغ في اسبانيا عام 1984، لانتمائه إلى المعارضة الإسلامية.
فإذا كان هذا هو منهج حكام دمشق في سورية منذ تسلطوا على الحكم فيها، فليس غريبا أن يعتمدوا الاغتيال السياسي كمنهج حكم ضد معارضي وجودهم في لبنان. بل إن الغريب أن يشكك البعض في التهم المنسوبة إلى حكام دمشق، التي راح ضحيتَها رئيسُ حكومة لبنان الأسبق وغيره من معارضي الوجود السوري في لبنان. فالاغتيال أسلوب الضعفاء الذين يعملون في الظلام لتنفيذ مآربهم، لأنهم يخافون مواجهة خصومهم جهارا نهارا، وحكام دمشق من هؤلاء، ما دعانا أن نطلق اسم الأنظمة الكرتونية على هكذا أنظمة.
وحسب قناعتنا فإن نظام حكام دمشق نظام كرتوني. لأنه يرفض مواجهة خصومه وجها لوجه على الساحة السورية، ولا يسمح لهم بأن ينافسوه من خلال صناديق الاقتراع. وإذا كان حكام دمشق يزعمون أن الجماهير تؤيدهم تأييدا كاملا إلى الدرجة التي يحصلون فيها على أربع تسعات في الاستفتاءات على رئاسة الجمهورية، فليقبلوا إذن بالتحدي، وليقبلوا بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع الشفافة في الانتخابات النيابية.
وهو نظام كرتوني لأنه لم يجرؤ ،ولو لمرة واحدة، أن يرد على التحدي الإسرائيلي بمثله. ولقد وصل الأمر بهؤلاء الحكام أن ترسل "تل أبيب" طائراتها لتخترق حاجز الصوت فوق قصر الرئيس "بشار أسد" في اللاذقية، فلم يسجلوا رد الفعل المناسب بأن يصدروا أمرا -بما يمكن اعتباره ردة اعتبار- إلى الطائرات السورية التي استنزف شراؤها خزينة الدولة لتقوم، على الأقل، ب "كَش" الطائرات من فوق قصر الرئاسة، لدرجة لم يجد السوريون ما يعبرون به عن خنوع حكامهم أمام إسرائيل إلا التمثل بالمثل الشعبي: " إنهم لا يَقْدِرون أن يحاموا عن ....". وليتمثل المواطن السوري بقول الشاعر: "أسد علي وفي الحروب نعامة". وصدق الشاعر الذي يقول:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كلّ مُفْلِسِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق