قد يزعم النظام أن زمن الانقلابات ولى، وقد نوافقه على ذلك. لكن هناك طرقا أخرى ما تزال سارية المفعول. فهناك الطريقة "الجورباتشوفية"، التي قاد فيها زعماء الحزب الشيوعي انقلابا ضد سيد الكريملين "جورباتشوف". فاستغل "بوريس يلتسين" الوضع وقام بثورة مضادة أنهت سيطرة الحزب الشيوعي، وتم بعد ذلك تفكيك الاتحاد السوفيتي. كما أن هناك الخلافات التي تعصف بأجنحة النظام، مثلما حصل في العراق عام 1964، حيث استغل "عبد السلام عارف" ـ الذي كان مهمشا ـ خلافات البعثيين الداخلية، فأطاح بحكم حزب البعث. تبقى الطريقة التي لا يمكن التنبؤ بتوقيتها وبما ستؤول إليه الأمور وهي الطريقة التشاوشيسكية، أي ثورة الشعب الجياع الذين انتفضوا ضد حكم الدكتاتور الروماني "تشاوشيسكو"
لو أراد أحدهم وصف سورية كما هي في الواقع، لكان أصدق وصف لها أنها استثناء بين دول المنطقة كلها، ولا نريد أن نعمم بأنها استثناء من دول العالم، فإنه تحصيل حاصل.
فالنظام السوري لا يقبل أن يشاركه أحد في صنع أيٍ من مفردات السياسة السورية، مع أن الشعب السوري شريك كامل الشراكة في كل متعلقات سورية، من أرض ووطن ودولة، لكن النظام الحاكم لا يعترف بذلك. ولو أنه اعترف بالشراكة لأحد غيره في أي من هذه المفردات، لقصر الشراكة على الغُرْم دونَ الغنْم.
المواطن السوري يعرف أين مكمن الداء، وربما يعرف أين يجد الدواء، لكنه حائر، ماذا عليه أن يفعل، وقد همّشه النظام ـ في من همّش ـ عندما نص في دستور "حافظ أسد" لعام1973 في المادة (8) منه: "حزب البعث قائد للدولة والمجتمع".
وإننا إذ نؤكد أنه لا يحق لأي حزب أو جماعة أو تيار أن يدعي أنه يختصر الشعب السوري، أو يحتكر تمثيله، فلعل حزب البعث يكون أبعد التيارات عن إدعاء الحق بتمثيل السوريين. فهو لم يكن من الأحزاب التي قاتلت فرنسا وأرغمتها على الرحيل عن سورية كما هو حال "الحزب الوطني"، وإلى حد ما "حزب الشعب" الذي ورث المناضل "عبد الرحمن الشهبندر".
واستطرادا، فلو ادعى أحد داخل حزب البعث ذلك، فإن "ميشيل عفلق" و"صلاح البيطار" اللذان أسسا البعث في7 نيسان من عام 1947، أي بعد عام كامل من استقلال سورية، يشهدان أنه لا أحد من البعثيين يحق له ذلك، بعد أن مضى مؤسّسَا الحزب كل لسبيله طريدا من سورية وهي تحت حكم البعث، فاغتيل "البيطار" في فرنسا، ولجأ "عفلق" إلى العراق ومات فيه.
هذه "الفذلكة" الحزبية لم تكن إلا مدخلا إلى أمور أخرى. والأهم منها هو العلاقة المثيرة للجدل بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين، خصوصا بعد التطور الدراماتيكي الأخير، وقد جاء على غير القياس عندما علق الإخوان نشاطهم المعارض في 7 كانون الثاني 2009م، متعاطفا مع حركة حماس في تصديها للهجوم البربري الوحشي الذي استهدف اقتلاعها من قبل إسرائيل في هجومها على قطاع غزة، مع أن ما بين الإخوان المسلمين وبين النظام السوري "ما صنع الحداد". لكنه استشعار من الإخوان بأن الخطب أكبر من خصومتهم مع النظام. وكما يقال في المثل: "لاحقين" على الخصومة، إذا لم يرد النظام التحية بمثلها، على الأقل.
هنا أجدني منساقا كي أحرف الحديث باتجاه آخر. يتجاهل قادة النظام، فلا يضعون في حسابهم أنه سيأتي يوم يجدون فيه أنفسهم خارج السلطة. وإذا كانوا يقولون أن نظراءهم من الأنظمة العربية ما زالوا في السلطة، فنحن نقول أنه بقاء مؤقت. بل إن أنظمة غير ديمقراطية أحرص من النظام على السلطة وربما أقدر، قد أطيح بها بصورة أو بأخرى.
قد يزعم النظام أن زمن الانقلابات ولى، وقد نوافقه على ذلك. لكن هناك طرقا أخرى ما تزال سارية المفعول. فهناك الطريقة "الجورباتشوفية"، التي قاد فيها زعماء الحزب الشيوعي انقلابا ضد سيد الكريملين "جورباتشوف". فاستغل "بوريس يلتسين" الوضع وقام بثورة مضادة أنهت سيطرة الحزب الشيوعي، وتم بعد ذلك تفكيك الاتحاد السوفيتي. كما أن هناك الخلافات التي تعصف بأجنحة النظام، مثلما حصل في العراق عام 1964، حيث استغل "عبد السلام عارف" ـ الذي كان مهمشا ـ خلافات البعثيين الداخلية، فأطاح بحكم حزب البعث.
تبقى الطريقة التي لا يمكن التنبؤ بتوقيتها وبما ستؤول إليه الأمور وهي الطريقة التشاوشيسكية أي ثورة الشعب الجياع الذين انتفضوا ضد حكم الدكتاتور الروماني "تشاوشيسكو" حتى لم يجد أحداً له عليه يدٌ ومنّة، يرضى أن يؤويه ويحميه، مع أنه كان يمسك رومانيا بيد من حديد.
إذا كنا نعتقد أن الإخوان المسلمين لا يفكرون بالوثوب إلى السلطة كما يفعل كل الانقلابيين في سورية وفي غيرها قديما وحديثا، لأنهم يؤمنون أن الحل الانقلابي لا يأتي بخير، "ومن يأتي بانقلاب يذهب بانقلاب".
لكن ما لا يمكن التنبؤ به حصول فراغ في السلطة في سورية بطريقة أو بأخرى، فيجد الإخوان المسلمون أنفسهم، أيضا بطريقة أو بأخرى، وجها لوجه مع استحقاق السلطة، عن طريق صناديق الاقتراع أو بأية طريقة ديمقراطية أخرى، لوحدهم في السلطة أو مؤتلفين مع غيرهم، فماذا يتوقع البعثيون حينئذ من الإخوان؟ بل ماذا يتوقع رموز النظام الذين أحيط بهم، فلم تسعفهم الظروف أن يغادروا؟
يحكى أن مدينة كانت تولي السلطة فيها زعيما لمدة خمس سنوات، ثم تنفيه بعدها إلى صحراء منقطعة، ليس فيها طير يطير ولا وحش يسير. ومرة جاء الدور على رجل حكيم أرغم على تسلم الحكم. ويوم انتهى زمن ولايته الإجبارية، أُخِذ إلى تلك البقعة المنقطعة، ليفاجأ الجميع أن المفازة المهلكة وقد تحولت جناتٍ وينابيع. هذا الرجل الحكيم لم يضع مدة ولايته بالملذات، فقد استأجر العمال من مدن أخرى بالأموال التي كانت تجري بين يديه، حتى إذا ما انتهت ولايته في الحكم وجد ما قدم حاضرا ليوم بؤسه. هذه الموعظة يعرفها الحكام العرب لكنهم لا يعملون بها، فيلجؤون إلى التسويف، حتى إذا أخذهم الاستحقاق ندموا "ولات ساعة مندم".
صحيح أن الإخوان المسلمين عندما قدموا مبادرتهم بتعليق نشاطهم المعارض كانوا يشدون من أزر إخوانهم في حماس. لكن الصحيح أيضا أنهم تقدموا بتحية إلى النظام، وكان الأولى أن يرد النظام على التحية بأحسن منها أو بمثلها.
أمام الرئيس بشار أسد الآن فرصة سانحة لا يستطيع أن يلومه فيها أحد من البطانة الذين يحسبون أن الأمر مستتب لهم. وتتلخص الفرصة بأن يلغي الرئيس القانون 49 لعام 1980، الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين. وأن يعلن العفو العام الذي ينبغي أن يشمل جميع المعارضين إسلاميين وغير إسلاميين. هذه المبادرة كافية لكي تضمد جراح عشرات آلاف الأسر التي يعيش نصفها خارج سورية، وباقي أفرادها في الداخل.
ويبقى السؤال: ماذا لوحكم الإخوان المسلمون سورية؟ ما لاشك فيه أن الإخوان المسلمين بشر قد تتنازع بعضهم نوازع الانتقام. لكنهم في نهاية الأمر لا يستطيعون القفز فوق أحكام الشريعة التي تفرض عليهم أن يعدلوا، قال تعالى: (... ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ... المائدة الآية 8). وغاية ما في الأمر أن يقدم من تجاوز وظلم إلى القضاء المدني، حتى ينال كل إنسان جزاءه.
البعض قد يظن أن هذا نوع من الخيال، أو أحلام اليقظة، وأن الأنظمة راسخة في الحكم كما رسخت في الراحتين الأصابع. وهذا هو محض هراء، فلو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.
ملاحظة: هذه الأمور تنطبق تماما على النظام في مصر، ويكفي استبدال مصر بسورية أينما وردت، والحزب الوطني بحزب البعث، والرئيس حسني مبارك بالرئيس بشار أسد.
ولو اني اراها صورة بعيدة المنال ولكنها تبقى حلما جميلا لكل سوري مخلص
ردحذفالموضوع فيه مبالغة ومدح للذات وذم للاخر
ردحذف_ اولا ليس جميع مواطنو سوريا مسلمون وحتى المسلمون ليس جميعهم يدينون بالمذهب السني وهناك حتى من اتباع المذهب السني لا يرغبون بان يحكموا من قبل احزاب دينية وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها.
_
كلامك صحيح وليس المقصود من هذا المقال من وجهة نظري
ردحذفهو التوجه لحكم الاخوان لسوريا ولاكن هي قابلية التغيير
والمرشح الاول في حال ذهاب النظام السوري الحالي فهو الاخوان ( لانهم اصحاب اكبر قاعده شعبيه )