بالأمس كانت دمشق مرة أخرى في قفص الاتهام العالمي بصفتها العنصر السلبي في المنطقة الذي تتفق العواصم العربية والعالمية الكبرى على أنه يوزع الارهاب في كل اتجاه. وقد دلت اجتماعات اسطنبول في الشكل والمضمون، الى نظرة العالم الى هذا النظام، والمآل الذي بلغه في العزلة الواقعية، فاتسم اللقاء بين وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ونظيره السوري وليد المعلم بلهجة اتهامية حادة استخدمها كوشنير، ولا سيما عندما كان أمام المعلم الأعمال الارهابية والاغتيالات في لبنان داعيا الى وقفها، بما يعني انه كان يخاطب الجهة الآثمة مباشرة. اما البيان الذي صدر عن الاجتماع العربي - الدولي حول لبنان، فقد عنى في عصارته وقف التدخلات السورية والإيرانية، ورفض التسوية حول الرئاسة التي يجب ان تأتي انعكاسا للاستقلال والسيادة في لبنان، لا ان يخرج اميل لحود من بعبدا ليخلفه رئيس يتواطأ مع النظام السوري لوأد الاستقلال ومنع قيام الدولة اللبنانية. ولعل رفض الأميركيين دعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الاجتماع الدولي رمى الى التأكيد ان استقلال لبنان ليس موضوع مناقشة مع الجانب السوري، انما على سوريا الامتثال الى المنطق والعقل، وارادة المجتمع الدولي، وترك لبنان وشأنه.
هذه هي الصورة التي تخرج من اجتماعات اسطنبول. ولكن بين الرسالة العربية الدولية وعقلنة النظام في سوريا لسلوكه في المنطقة وبالتحديد في لبنان، مسافة كبيرة قد تكون مزروعة بالحرائق التي لا نشك لحظة واحد في أن الرئيس بشار الاسد وصحبه سيعمدون الى اشعالها ردا على الرسائل القوية التي اقفلت باب المساومة مع نظام ضاق ذرع العالم به، الى حد تقلص عالمه ليصير بشار الاسد جزءا من نادي المنبوذين في العالم بجانب كيم جونغ ايل الكوري الشمالي، ومحمود احمدي نجاد الايراني، وهوغو شافيز الفنزويلي، وفيديل كاسترو الكوبي: انه عالم الماضي، عالم الانظمة العنفية التي لم تأتِ إلا بالشقاء لشعوبها، وقد دفنت مواردها في احلام القوة الامبراطورية. ولنا في موت ملايين الكوريين الشماليين بسبب نقص الغذاء مثال حي على نحر نظام لشعبه بينما توجه الموارد كلها شطر برنامج نووي بدائي يمثل غباراً امام قوة النوويين الكبار. وفي الجغرافيا القريبة لنا مثال آخر في الجمهورية الاسلامية في ايران حيث الحلم الامبراطوري، وشبق الهيمنة على الجوار، يهدران موارد شعب عظيم ليمسي الإيرانيون في حاجة الى استيراد 55 في المئة من حاجاتهم من المحروقات، لتتجه الصناعة النفطية في ذاك البلد بخطى ثابتة نحو التوقف في غضون سنوات قليلة بفعل شح الاستثمارات الخارجية، والحاجة الى تكنولوجيا متقدمة لا يوفرها سوى الغرب المتقدم.
لا يعني ما تقدم ان ثمة رهانا على عقلنة النظام السوري، وانما يرمي بكل بساطة الى القول ان سوريا في ظل الحكم الراهن فيها هي مشروع شقاء مؤكد لأهلها ولجيرانها بلا استثناء. من هنا الحاجة، كما سبق أن رددنا اكثر من مرة، الى رد من المجتمع الدولي يكون غير تقليدي ليس من اجل لبنان وحده، ولكن من اجل المنطقة، وقبل اي شيء آخر من اجل شعب سوريا الحبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق