حتى الآن الوقت جرى لمصلحة إيران، وهي تراهن على استمراره معها، خاصة بالنسبة لأوضاع العالم كله من حولها بدءاً من الوضع الأميركي، ثم الوضع الصهيوني، ثم الوضع الروسي – السوفياتي سابقاً ثم الأوضاع العربية – ثم الوضع الآسيوي حولها، إذا لم نذكر الوضع الأوروبي ثم الصيني..
إيران تعتقد ان كل أوضاع العالم تعاني من مشاكل وتراجع، إلا وضعها فهو في نظر ساستها يتقدم ويتقدم كثيراً.
وبناء عليه،
فإن إيران الآن في مرحلة فرض الشروط على الآخرين بعد ان كانت سابقاً في مرحلة رفض الشروط عليها من الآخرين.
إيران لديها مشروعاتها المتكاملة، وهي تعرف ماذا تفعل، وتتقدم نحو تنفيذها.. في وقت يعاني العالم كله تخبطاً في كيفية التعامل معها، لا بل في كيفية التعامل مع مشاكله هو.. وإيران باتت جزءاً أساسياً من هذه المشاكل.
مشروعات إيران المتكاملة ثلاثة هي:
1- الملف النووي.
2- التوسع الإقليمي.
3- الأذرع الطويلة في خدمة الملف والتوسع.
1- الإيرانيون يعتقدون ان هذا الملف النووي يوحدهم، لأنه بات قضية وطنية جامعة، ولن تجد في إيران كلها من يعارض – حتى الآن – الاستمرار في إنجازه حتى الوصول إلى القنبلة النووية التي بات الحصول عليها رمزاً للعزة والكرامة!
وفي هذا المجال يجزم الإيرانيون ان هذا الملف غير خاضع للمساومة أو الوقف أو البطء في تحقيقه.. انهم يقولون بالحرف لأميركا تحديداً: هذا الملف أصبح وراءنا فلننظر إلى أمر آخر.
جماعة ((مجاهدي خلق)) التي كشفت عن المشروع النووي الإيراني – كان لها قبل هذه ((الخيانة)) وضع شبه مقبول، في جزء من الشارع الإيراني المسلم المتعاطف مع تاريخ هذه الجماعة المعادية لنظام الشاه، والتي ساهمت كثيراً بإسقاطه، أما بعد دورها في كشف ملف البلد النووي فإنها فقدت كل تعاطف معها، وباتت في نظر الكثيرين جماعة خائنة.
2- التوسع الإقليمي الإيراني فريد من نوعه لأنه يستند إلى معطيات شرعية وشعبية حتى في بلدان مختلفة عنها في العرق.. لكنها متفقة معها في الدين.. وفي المذهب.. التوسع الفارسي ليس استعماراً.. لكنه أسوأ من كل أنواع الاستعمار.
هذا ما حصدته في العراق، وفي أفغانستان وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي فلسطين.. دون أن ننسى التعاطف معها في قطر والسودان رسمياً، وغيرها حتى وصلت في توسعها الإقليمي إلى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية نفسها، حين مدت نفوذها أو علاقاتها إلى فنـزويلا.
أما الأهم فهو انتشارها الأمني – الاقتصادي – بين الجاليات العربية وتحديداً اللبنانية (الشيعية)، والفلسطينية (المقاومة) في جمهوريات أميركا اللاتينية – في كولومبيا والبرازيل والاورغواي والباراغواي والأرجنتين.. فضلاً عن انتشارها المحموم في كل دول افريقيا، حيث يعيش نحو 300 ألف لبناني معظمهم على المذهب الشيعي في بلدان: ساحل العاج - ليبيريا – السنغال – غينيا – افريقيا الوسطى – الغابون – انغولا.. الكونغو (بجانبيه).
3- الأذرع الطويلة، وأهمها على الاطلاق حزب الله في لبنان الذي يملك واحداً من أفضل أجهزة الأمن العربية على الاطلاق، بإمكانات مادية وتقنية هائلة، والأهم بعد ذلك وربما قبله بولاء مشهود له بالصرامة والشدة، فضلاً عن القناعة الكاملة بدور رسالي – جهادي محكوم بالنصر ولا يقهر ملقى على عاتق عشرات آلاف المسلحين من الحزب في كل أرجاء لبنان تقريباً.
طبعاً هناك أذرع إيران المتعددة داخل العراق نفسه كالمجلس الأعلى، وجانب من حزب الدعوة، وحزب الله العراقي والتشكيلات الاستخباراتية الأخرى ككتائب الحسين مثلاً فضلاً عن شرعية الحكم في رئاسة الحكومة وأجهزة الأمن والجيش والشرطة ومجلس النواب وبقية المؤسسات وفي فلسطين قبضت إيران على بقعة جغرافية شغلت العالم كله منذ سنوات، هي قطاع غزة عبر حركة حماس ومعها دائماً في الولاء لإيران حركة الجهاد الإسلامي، ونجحت إيران في جعل غزة محور القضية الفلسطينية، مثلما نجح إعلامها في حصر العدوان الصهيوني كله في شرنقة معبر رفح على الحدود بين فلسطين ومصر.
ولعل أهم نجاح تعتقده إيران انها باتت على حدود فلسطين، من ثلاث جبهات هي لبنان – سوريا – مصر.. أما الأردن فهو مشروع جبهة رابعة تنتظر حُسن التوقيت، وليست بعيدة عن بدئه، وهذا ما يخيف الملك عبدالله الثاني في هذا البلد الذي يعيش مفارقتين:
1- مفارقة القسمة بين أبناء شرق الأردن وغرب نهره في الضفة وكلاهما يشهد تعاطفاً مع إيران.
2- مفارقة اللحمة بين الحركة الإسلامية في شرقه والحركة الإسلامية في غربه.. والاثنتان متفقتان على الاعجاب بإيران.
إلى جانب حدود إيران مع فلسطين (اسرائيل) فإن إيران تمكنت بهذا من الانتشار على ساحل البحر الأبيض المتوسط (انظر الساحل السوري + الساحل اللبناني + ساحل غزة.. فما بالك والعبث الإيراني يشمل سيناء كلها، وجزء كبير منها على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وجزء آخر على خليج العقبة فضلاً عن اطلالتها على قناة السويس شريان مصر الاقتصادي (30 مليار جنيه إيرادات القناة عام 2008).. ثم البحر الأحمر وإطلالات دوله: مصر + السودان + المملكة العربية السعودية + اليمن + اريتريا + الصومال..).. الأمن القومي العربي كله أصبح تحت رحمة التوسع الفارسي بأذرعه العربية.
هل نسينا جماعة الاخوان المسلمين بمجلسها العالمي، التي نجحت إيران في اختراقه بمساعدة مشيخة قطر، وعبر رئيسه الحالي الشيخ يوسف القرضاوي، الوزير القطري غير المعلن، مفتي العائلة الحاكمة في الدوحة والمرجع الأعلى لقناة ((الجزيرة)) القطرية، إحدى أدوات التطبيع القطري مع العدو الصهيوني.
انظروا إلى القبلة الجديدة التي اعتمدتها الجماعة في حركتها السياسية تحت اسم الجهاد ضد إسرائيل.. انها إيران. وسفيرة الجماعة إلى هذه القبلة هي حركة حماس، أما مندوبها المعتمد فهو خالد مشعل، وهذا الجسر الواصل بين الجماعة وإيران تعبر عليه كل أمنيات الدعم وحقائقه بين طهران والجماعة.. حتى يخرج مرشد الجماعة في مصر ليتحدث عن إرسال عشرة آلاف مقاتل من جماعته لنصرة حزب الله في لبنان، وربما مثلهم لنصرة حماس في غزة، ويذهب طارق الهاشمي كرئيس للجماعة في العراق إلى الدوحة لنصرة مشروعها السارق لقمة العرب حول غزة، وتغلي أنفس الحركة في الأردن تحرقاً للالتحاق بالركب لولا قوة السلطة فيه.. حتى الآن.
لقد حولت سياسة إيران الاستعلائية نحو العرب بلادهم إلى أرض رخوة تجيد الحركة فيها عبر أذرعها، ونظرت إلى الأمة العربية كرجل مريض في هذه المنطقة تجزم بأنها الأجدر بوراثته بدل تفتيته على أيدي الغرب وإسرائيل، فلتعمل هي على استتباعه بحجة مواجهة الغرب وإسرائيل.
ثم يأتي اوباما بالحوار
هذا هو الحال الايراني.. ثم تجيء ادارة الرئيس باراك اوباما لتحاور طهران فما هي مقومات القوة الاميركية لحوار القوة الايرانية (خارج الاطار العسكري)؟
اميركا – كالعالم كله – في ازمة اقتصادية ستأخذ على الاقل نحو ثمانية عشر شهراً لتجاوز آثارها المدمرة على حياة عشرات ملايين الاميركان، الذين وعدهم اوباما بالتغيير وسيجد نفسه مضطراً للالتزام بهذا الوعد على حساب أي امر آخر.. وأهمه مواجهة ايران.. لا بل هو يعتقد ان مهادنة ايران هو مدخل للتفرغ – وقتاً وسياسة ومالاً – لمعالجة هذه الازمة الطاحنة.
وأميركا – شاءت ام ابت على تماس مباشر مع ايران لا تستطيع تحت أي ظرف تجاهله.
فهي على تماس معها في العراق وفي افغانستان وفي النفط ودوله العربية وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي فنـزويلا وفي السودان وفي جمهوريات القوقاز.
اما اسرائيل فهي قضية اخرى لوحدها.. مع تشابكها مع بقية خطوط التماس.
الانسحاب الاميركي من العراق تم تسهيله بمبادرات ايرانية، ولم يكن للاتفاق الامني الاميركي – العراقي ان يعقد لولا مباركة ايران.
تعزيز القوات الاميركية في افغانستان يحتاج الى مباركة ايرانية زرعت وجوداً امنياً وشعبياً حقيقياً في كل افغانستان، مع الهازار الشيعة ومع الطاجيك ذوي العرق الفارسي، ومع الباشتون ذوي اللغة الفارسية القديمة.
ومثلما خلّصت اميركا ايران من خطر طالبان، فإن ايران لن تسمح لأميركا بالحوار مع طالبان.. حتى تظل هي الباب الوحيد للحل الاميركي في افغانستان.
وعلى هذا المنوال فإن كل حوار اميركي مع أي جهة في العالم الايراني يجب ان يمر من بوابة ايران: مع العراق باتت ايران شريكة لأميركا الى ان تخرج اميركا فتنفرد ايران به، وتبحث واشنطن مع طهران كيفية حماية قواعدها فيه، مع افغانستان باتت ايران بوابة اميركا لهذا البلد، الى ان تشتتت افغانستان، فتعمل ايران على حماية الخروج الاميركي، لأن طهران تجيد التعامل مع قومياته المتناحرة.
في فلسطين لن يثمر أي حوار مع حماس الا عبر بوابة ايران، ألم تختصر حماس فلسطين بغزة التي تحكمها؟
في سوريا فتح كبار العرب باباً لمصالحتها، علّهم ينجحون بإبعادها عن الحضن الايراني، فإذا ببشار الاسد يعمل على اقناع العرب بأن لا حضن لهم الا الحضن الايراني!
وكل مطلب اميركي من سوريا سيمر عبر البوابة الايرانية: فلسطين + غزة يعني حماس يعني ايران.
لبنان يعني حزب الله يعني ايران.
العراق يعني الدعوة والمجلس الاعلى يعني ايران.
لقد امسكت ايران بأوراق المتطرفين الاسلاميين التي سقطت بالاكراه من يد النظام السوري، فجعلت طهران مقراً لهم، في سجن واسع لا يخرجون منه الى ((شمس)) الارهاب الا بإذن ايراني.
تفتح سجنها لاطلاق الارعاب شرط ان يتوجه الى سيناء ساعة تشاء في رسالة دموية الى مصر.
تفتح سجنها لاطلاق الارهاب شرط ان يتوجه الى جبال وصحارى اليمن ساعة تشاء في توجيه رسالة دموية الى المملكة العربية السعودية.
وهكذا،
فهل يفيد حوار اميركي مع ايران من موقع ضعف اميركي واستقواء ايراني؟
وماذا فعل بوش؟
وقبل ان نسقط المسعى الاميركي في عهد اوباما للحوار مع ايران، تعالوا نقيّم جهد جورج بوش ضد ايران في اطار اعتبارها اول دول محور الشر:
*كانت ايران محاصرة من العراق في عهد صدام فأسقطه بوش.
*كانت ايران محاصرة من افغانستان في عهد طالبان فأسقطها بوش.
*كانت ايران بعيدة عن فلسطين في عهد عرفات فأسقطه بوش حتى سمح بقتله في عهد شارون.
*كانت ((القاعدة)) محصورة في افغانستان فأطلقتها اميركا حتى تصبح اسيرة في يد
ايران.
*كان النظام السوري متوازناً الى حد ما بين علاقات موروثة مع ايران في عهد حافظ الاسد، فإذا ببوش يدفع ابنه بشار الى الحضن الايراني.
*قدمت السلطة الفلسطينية كل ما تملك وما لا تملك من اجل تسوية مع اسرائيل، فإذا ببوش يعطي الاذن لشارون لتدميرها ليفتح الباب واسعاً نحو حماس كي تهدي ورقة فلسطين الى ايران..
*سياسة اسرائيل في عهد بوش اوصلت ايران الى ساحل البحر الابيض المتوسط.
دفعت سياسة بوش العنترية – دون فعالية – الى اوسع حملة تضامن وعصبية شعبية ايرانية مع السلطة في مسألة الملف النووي، وكان يمكن لأميركا ان تفعل كل ما فعلته مع ايران وسراً ودون ضجيج ودون استفزاز، لتخلق فجوة حقيقية بين الناس والنظام، على قاعدة الازمات الاقتصادية والنفطية التي جعلت دولة منتجة للنفط كإيران تستورد الوقود مثلاً لتوفيرها لسيارات مواطنيها.
ولو ارادت اميركا بوش مواجهة ايران فعلاً لتحالفت مع طالبان باكراً كما سعت مع الصحوات في العراق ولتحالفت مع القوى العراقية المعادية لايران وهي كثيرة جداً وفعالة جداً.
ولعملت على تشجيع الحركات الوطنية والقومية العميقة الجذور في التربة الايرانية (العرب في الاهواز والمحمرة وعبادان والاكراد في كرمنشاه، والبلوش في بلوشستان، والاذريين في اذربيجان..
ولعملت على دعم جماعة مجاهدي خلق بدل تركهم عرضة للئام في العراق عند اتباع ايران.
ولعملت على حصار اقتصادي حقيقي لايران يبدأ في دبي حيث آلاف الشركات الايرانية، وسوق تهريب كل ما تمنعه اميركا وأوروبا عن ايران، فضلاً عن خلاياها النائمة انتظاراً لأوامر عمليات من طهران.
ولعملت على حصار استراتيجي لايران داخل الدول الإسلامية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
ولعملت على عقد تحالف استراتيجي مع روسيا تشاركها الحصار على ايران، لأن الامن الروسي مهدد من ايران اكثر بكثير من الامن الاميركي البعيد آلاف الكيلومترات عن المدى الايراني.
فالقنبلة النووية الايرانية اعظم خطورة على الامن الروسي من الدرع الصاروخي الذي تسعى اميركا لتركيبه في بولندا وتشيكيا.
ولعملت على ايجاد حل حقيقي لمسألة الصراع العربي – الصهيوني يعيد الارض العربية لاصحابها ويقيم دولة فلسطينية وطنية قابلة للحياة، وفتح المجال امام الشعوب العربية لخيار السلام القائم على العدل بدل السماح للمقاومات ان تنهض على حساب الدول المستقرة وشعوبها.
حل كهذا يسحب ايران من الحدود مع فلسطين (اسرائيل)) ويبعدها عن البحر الابيض المتوسط، ويلغي مبرر نشر اذرعها في لبنان وسوريا وفلسطين، ويجعلها تنكفىء في العراق واليمن.
لم تفعلها اميركا عندما كانت تعتبر ايران ضمن محور الشر في عهد بوش، فكيف سيكون مصير الحوار مع ايران في عهد اوباما بعد ان خاطبها كنظام معترف به في رسالة هي الأولى للدولة التي انشأها الإمام الخميني بعد ان كانت الرسالة الاميركية دائماً موجهة الى الشعب.. على أمل ان يثور على دولته.
كيف تفعلها اميركا أوباما في ظل ازمتها الاقتصادية ووعوده لشعبها بالتغيير.. اذا لم تحمل التنازلات واحدة بعد الاخرى لإيران القوية الآن؟
كانت ايران ضعيفة جداً عندما جاءها بيل كلينتون بصفقة للتوسع الاقليمي الايراني مقابل تطبيع العلاقات مع اميركا.
رفضت ايران العرض الاميركي لأن كلينتون راحل وقناعة بأن الاميركان تجار أغبياء جاؤوا يعرضون بضاعتهم امام تجار طهران الأذكياء.. وكلما أمعن الاميركان بالعرض وتمنع الايرانيون.. اخذوا البضاعة المعروضة بالسعر الذي يناسبهم.. هذا هو منطق السوق وهذا هو منطق الصفقات التي تعرضها اميركا أوباما على طهران الآن.
والآن وقت عقد الصفقات
ايران تريد ثالوثها دون أي تنازل:
1- ملف نووي – 2- توسع اقليمي – 3 أذرع طويلة لحماية الاثنين معاً.
وأميركا لا يمكن لها ان توافق على أي ضلع في هذا الثالوث.
فما العمل؟
أمامنا نحو ثمانية عشر شهراً او اقل ليتواجه القطاران الاميركي والايراني في صدام حتمي!
ما الذي سيحصل الى ان نصل الى هذا التاريخ؟
الجنرال وقت هو الذي سيحكم نوايا الدولتين.
ايران تعتقد ان الحرب غير واردة مطلقاً، لأن لا احد قادراً على تحمل نتائجها خاصة اسرائيل، وأميركا لن تسمح لها اصلاً ببدء أي حرب، حتى اذا قصفت اسرائيل مواقع معينة في ايران، فإنها ستجلب على نفسها دماراً قد يضعها على طريق الزوال، اما اذا ارادت استخدام القنبلة الذرية، فإن امراً جللاً كهذا يحتاج الى قرار اميركي مجنون، والرهان هو على عقلانية اوباما.. وهو الرئيس الذي ورث مجنوناً حاكماً لم يفعلها.
وإيران تعتقد ان الحصار سيفك عنها آجلاً ام عاجلاً، وهذا هو مغزى كلمة علي خامنئي في رده على دعوة اوباما للحوار: اذا تغيرتم تغيرنا، وننتظر أفعالاً ولا نكتفي بالكلمات.
وايران العاقلة تعرف كيف تلاقي اوباما في منتصف الطريق.. وأيضاً دون تنازل. فرسالة خامنئي العلنية الى أوباما عبر مهرجان جماهيري هي رد ايجابي قياساً بتجاهل الرسائل الاميركية السابقة التي كان الرد يجيء عليها عبر وسائل الاعلام لا عبر تجاهلها تماماً.
ايران تقول لأميركا تعالي إليَّ وأنت ضعيفة الآن.. وتقول لاسرائيل انت ضعيفة ومشاكلك الداخلية لا حدود لها، وعجزك الامني ظهر في لبنان وفي غزة.
وايران تقول لاسرائيل ان حرب غزة هي آخر الحروب ضد حماس.. وفي حين تستطيعين الدخول ساعة تشائين الى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإن عودتك الى غزة باتت مستحيلة.
الرد الايراني عبر خامنئي اعتراف بأن أوباما اطلق الكرة داخل الشباك الايراني، وعلى طهران ان ترد الكرة.. وقد فعلها جامنئي.
قال اذا تغيرتم تغيرنا.. أي ان على اميركا ان تتغير أليس هذا هو شعار أوباما: التغيير؟
خامنئي طالب اميركا بالاعتذار عن ظلم اميركي لبلادهم مستمر منذ نحو 60 عاماً (تاريخ انقلاب الجنرال زاهدي على حكومة محمد مصدق عام 1951).
خامنئي طالب بقرن الأقوال بالأفعال وأول الاتصال رفع الحصار الاقتصادي، وصولاً الى دفع تعويضات واعادة الارصدة الايرانية المجمدة منذ عهد الشاه في مصارف اميركا.. الآن؟.
لاحظوا ان كل المطالب الايرانية هي من الجيب الاميركي اما عن جيوب الآخرين.. فإن الأيدي او الأذرع الايرانية تسيطر عليها كاملة.. فالآن وقت دفع الحساب من اميركا مباشرة.
وايران مطمئنة فحليف اميركا الباكستاني يستسلم لجماعات اسلامية.. ستجد ايران وسيلة للتفاهم معها.. كما القاعدة وطالبان.. وقد شرحنا الحال في افغانستان والعراق وبقية خلق الله في العالم.
وخامنئي أظهر للأميركان قدرة لا تحتاج الى تبيان عن إمساكه خيوط اللعبة الداخلية الايرانية استناداً الى مكانته الإلهية (رب غفرانك) واستناداً الى قدراته الدنيوية من حرس ثوري ولجان مسلحة وأسلحة دمار ارض وبحر وفضاء وأذرع طويلة وخلايا نائمة وأخرى صاحية.. ومبايعة اسلامية.
خامنئي مستعد لإبعاد احمدي نجاد عن السلطة.. عن الرئاسة في سابقة لم تحصل من قبل مع رئيس لا يتمكن من تجديد مدة رئاسية ثانية، في اشارة الى تجاوب مع اميركا التي ابعدت بوش وجاءت بأوباما.
ابعاد نجاد هو ذكاء ايراني، لان البديل (مير حسين موسوي) لن يعمل فقط كخبير اقتصادي على حل الازمة الاقتصادية الايرانية.. بل سيقدم نفسه ثانياً كرجل سياسي براغماتي يناسب العقل السياسي الغربي والاميركي تحديداً.. فضلاً عن ان نجاد شبع استفزازاً للعالم ونجح في تكتيله ضد ايران، مثلما نجح بوش في تكتيل العالم - ولو معنوياً – ضد اميركا، وقد آن الأوان للتلاقي في منتصف الطريق.. تغيير في اميركا، تغيير في ايران؟
هنا،
يعتبر الايرانيون ان اميركا هي القادمة اليهم سلماً.. وهم ليسوا ذاهبين اليها طائعين، فالإيرانيون يريدون من اميركا ان تواكبهم في المنطقة، وفي اسوأ الحالات ان يواكبوها فيكونوا فيها شركاء لا هم اعداء ولا هم اصدقاء.. أليست اللغة لغة مصالح بين تجار اذكياء وآخرين اغبياء؟
وماذا عن اسرائيل؟
تملك اميركا عقد الصفقات في أي مكان في العالم ومع أي كان، ودون حساب لأحد إلا مصالحها.. إلا مع اسرائيل فالأمر يختلف.. لأن الكيان الصهيوني الآن مهدد في الصميم كياناً ووجوداً لأول مرة في تاريخ اغتصاب فلسطين!.. واسرائيل لم تتوقف لحظة عن ان تكون مصلحة اميركية اولى.
واسرائيل تحمل هماً واحداً هو منع ايران من امتلاك سلاح نووي.. هذا هو الظاهر على الاقل.. علماً بأن هناك من يعتقد بأن سلاح ايران النووي يستحيل استخدامه لا ضد اسرائيل ولا ضد غيرها.. بل هو اداة قوة ايرانية ضد الضعفاء.. أي العرب تحديداً.. ولماذا تحمل اسرائيل هم العرب.. انها فرصة لابتـزازهم وهو نهج تعتمده كل من ايران واسرائيل معاً.. والارض العربية رخوة.. ومثلما نجحت اسرائيل في استـزراعها عنصرياً في فلسطين، فلتنجح ايران في استـزراعها دينياً وشعبياً في كل مكان يفتح لها الابواب (فخار يكسر بعضه).
من تصدق اميركا: اسرائيل الخائفة من ايران أم العرب الخائفين من التوسع الايراني؟
غير ان هذا موضوع آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق