ما حدث في مصر العكس. فمرشد الإخوان، أي رئيس التنظيم، مهدي عاكف، هاجم الحكومة المصرية لأنها تنتقد إيران وتبالغ في اتهام حزب الله اللبناني. موقف عجيب في وقت تواجه بلاده أزمة خطيرة حقيقية، ولا يمكن تفسيره إلا من قبيل تصفية الحسابات السياسية بين المعارضة والحكومة. موقف مفهوم ومقبول ومبرر في الأيام العادية، وزمن الخلافات الداخلية، أما ما نراه أمامنا الآن هو حالة حرب ضد مصر. ما حدث اعترف به أمين عام حزب الله عندما أقر بعلاقة حزبه بالمعتقل الرئيسي وعشرة آخرين، وسبق له أن دعا إلى انقلاب على النظام المصري. وهنا لو أن الإخوان ساندوا بلدهم في هذه القضية لكان لهم ثقل إقليمي كبير وصارت كلمتهم مهمة، وزاد من رصيدهم الوطني والسياسي وبالطبع الأخلاقي في أعين الجميع، وأحرج السلطة المصرية نفسها. أما هجومهم على حكومتهم فقد أضعفهم كتنظيم الإخوان ولم يفد إيران.
موقف انتهازي رخيص. وأتذكر في هذه المناسبة حالتين تصلحان للمقارنة. عندما غزا صدام حسين الكويت كانت المعارضة الكويتية على خلاف حاد مع السلطة إلى درجة المظاهرات والمصادمات مع الشرطة حتى ظن صدام أن المعارضين الكويتيين سيلتحقون بمشروعه بإقصاء النظام الكويتي، لذلك قدم نفسه في بداية الاحتلال كمنقذ للكويت من حكم آل صباح. فوجئ الغازي بأن المعارضة الكويتية تعلن بشكل علني رفضها للغزو، وتمسكها بالشرعية الممثلة في النظام الكويتي، رغم أن قيادات الكويت كانت قد أزيحت بالقوة. رفضت المعارضة عرض استلام الحكم وأصرت على مساندة نظامها، رغم خلافها معه، لأنها اعتبرت مسائل الولاء، والوطنية، ورفض التدخل الخارجي، لا مساومة عليها.
والنموذج الثاني موقف قادة ثلاثة تنظيمات إسلامية في نفس أزمة احتلال الكويت. فقد ساندت غزو صدام اعتقادا منها أن الكويت قد راحت إلى غير رجعة، ولم يهمها تبني موقف مبدئي وأخلاقي ضد الاحتلال، ولم تبال بمساندة حقوق شعب احتُل بلده ظلما وعدوانا. ذهب القادة الثلاثة إلى عدوهم صدام وأيدوا جريمته. والمفارقة أن التنظيمات الانتهازية هذه كانت في الأصل تتكئ على تعاطف ومساندة دول مثل الكويت والسعودية وغيرها، لتنقلب عليها في محنتها وتقف إلى جانب المعتدي. في النهاية عادت الكويت وخسرت تلك التنظيمات كل شيء.
يستطيع الإخوان المسلمون، كتنظيم مصري، أن يقول إن علاقته سيئة ولديه قائمة تظلُّم طويلة ضد حكومته، وربما هو على حق في كثير منها في إطار النزاع على السلطة، لكنْ متوقَّع منه أن يقف إلى جانب بلاده في وقت محنتها. اليوم يقرأ أي متابع كيف يؤيد الإخوان إيران ضد بلدهم، ويبررون ما يفعله حزب الله ويعرض مصر بتصريحاتهم لخطر حقيقي.
ومهما يكن رأي الإخوان فإن الأصول والأخلاق في الأزمات أن تقف المعارضة، في كل مكان توجد فيه معارضة محترمة، أن تقف إلى جانب بلدها لا أن تستغل الفرصة وتنتقم من خصومها في الداخل بتأييد الخارج عليه.
الذي يزيد الأمر غرابة أن الإخوان، كحركة سنية دينية متطرفة، معنية بالخصومة أكثر مع حزب الله ونظام طهران الشيعيين المتطرفين، بخلاف الحكومة المصرية التي عرفت بأنها نظام سني معتدل ومتسامح تجاه الطوائف والأديان، لكن قاتل الله السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق