ليس المطلوب من محامي سورية أن يقيموا الدنيا لاعتقال أحدهم بل أن يتذكروا أن عذريتهم هتكت
لم نقرأ ذات يوم أن إسرائيل اعتقلت مناضلاً فلسطينياً في الثمانين من عمره , فرغم اعتقالها للمناضلين أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات , فإن اعتقالها لهم ولغيرهم لم يأتِ على خلفية مقابلة تلفزيونية لم يتسع لها صدرها , كما ضاق بها صدر النظام السوري "الممانع" .
من هنا قلنا ونعيد القول , إن اعتقال المالح الذي يمثل سلطة القانون في تاريخ الدولة السورية , أفظع من محاصرة عرفات في مقر مقاطعته الذي تعاطف معه العالم أجمع , حتى أن الديكتاتور العراقي صدام حسين , لم يحدث أن اعتقل شيخاً كهلاً بتهمة " وهن نفسية الأمة" و"إضعاف الشعور القومي" , وهو أي صدام صاحب تلك الشعارات البالية ومطلقها في سماء العجز العربي .
ولو أن حافظ الأسد أمر باعتقال المالح , لتفهمنا الأمر في حدود عسكريتاريته وجنراليته القائمة على القمع والمنع للصغار قبل الكبار , ولعل ما حصل مع رفيق دربه اللواء صلاح جديد الذي أمضى نصف عمره خلف القضبان , يدلل على صحة طرحنا , لكن أن يحدث ذلك في عهد غير العسكري , وان تؤمر الاجهزة الامنية باعتقال من نصح السلطة ذات مرة عبر عشرات الرسائل والنداءات بعد تولي بشار الاسد مقاليد الحكم , فهو لأمر يشيب له رأس الرضيع وهو في مهده .
إن اعتقال هيثم المالح , يسطر نهاية مريعة لسلطة القانون والقضاء في سورية , ويكشف عن المستور والمزيف الذي تخفى خلفه رجال القانون في دولة اللاقانون , وينصحهم بإقفال دكاكين قضائهم المهلهل , لتبقى الكلمة الفصل حتى في حالات الزواج والطلاق والميراث , لمحاكم الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تنفذ أحكامها بشكل مبرم لا مجال فيه للطعن , كأحكام الجنرال سليمان الخطيب التي فاقت في عنجهيتها أحكام سلفه الجنرال أحمد جمال باشا , ولا مثيل لها إلا في عصور ما قبل التاريخ .
لن نُذكر هنا بعزل الرئيس السابق ابرويز مشرف لشيخ القضاء الباكستاني افتخار تشودري, الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في صفوف المحامين الباكستانيين والمدافعين عن سلطة القانون , فليس مطلوباً من محامي سورية المغلوب على أمرهم , أن يرفعوا الصوت عالياً تنديداً لاعتقال أحد أهم رموزهم في النزاهة والاستقامة , بل أن يتذكروا دائماً أن عذريتهم هتكت يوم هتك القانون .
لم اكتب هذه السطور تعاطفاً مع المالح كما فعل الكثيرون , بل انطلاقاً من صلب معرفتي ولقائي به , الذي ما وجدته إلا ثائراً على زمننا الرديء لا يكل ولا يمل , فكان بيته بحق صرحاً ثقافياً لما بقي من ثقافة مقموعة , ومكتبه نادياً حقوقياً لا يوصد بابه أمام القانونيين بعدما غاب القانون .
لقد برهن اعتقال المالح أنه انتقل كغيره ممن سبقوه من سجنه الأكبر إلى سجنه الأصغر , بعدما أوهن جذور الاستبداد وفضح عروش الفساد , ودفاعنا الوحيد , أن الحق لا يوهن "الأمة" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق