وبرأينا أن مجرد تكرار هذا الكلام يوحي بأن الحكومة لم تقرر إغلاق الشركات الخاسرة والمتوقفة عن العمل فقط بل هي تفكر جديا بالتخلص من عمال هذه الشركات أيضا ولكن المشكلة أنها لم تجد صيغة مناسبة حتى الآن سوى نقلهم إلى جهات عامة أخرى !
ولكن المستغرب بل والخطير في الأمر ليس بإغلاق الشركات أو نقل العمال فقط وإنما هذا العزف المتكرر على اسطوانة الرواتب والأجور وكأنها منّة أو إحسانا من الحكومة للعاملين في الشركات المتوقفة !
وتكاد الحكومة توحي لنا أن من لايعمل لايستحق أجرا ومع ذلك فهي لم تتوقف عن دفع الرواتب لهؤلاء الذين لايعملون من باب المنّة والإحسان .. ليس إلاّ !
وبدأ العزف على اسطوانة الرواتب والأجور يعلو مؤخرا مع قرار حكومي لم يعلن حتى الآن وهو إغلاق المزيد من الشركات العامة الخاسرة بالإضافة إلى الشركات المتوقفة عن العمل مع مايعنيه ذلك من زيادة عدد العمال العاطلين عن العمل !
والمشكلة التي تواجه الحكومة هي أنها لاتستطيع تسريح مجموعات كبيرة من العمال دون سند قانوني ، وربما كان إلحاحها في السنوات السابقة على إنجاز مشروع قانون التقاعد المبكر ليس أكثر من إيجاد السند القانوني لإحالة عشرات الآلاف من العمال في الشركات التي كانت تخطط الحكومة لإغلاقها !
ولكن ماحصل أن المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية حذّرت الحكومة من هذا المشروع ورفعت لها دراسة إحصائية أكدت فيها أنها لآتملك الأموال الكافية لدفع الرواتب لعشرات الألوف من المتقاعدين دفعة واحدة دون دعم مادي كبير من الحكومة .
وكانت النتيجة تراجع الحكومة عن مشروع التقاعد المبكر لأنها غير مستعدة لدعم المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية .. بل السؤال : كيف يمكن لحكومة شفطت أكثر من 60 مليار من أموال المؤسسة والتي هي أموال العمال وحولتها إلى صندوق الدين العام .. أن تدعم العمال المتقاعدين ؟
ونستغرب موقف اتحاد العمال من سياسات الحكومة تجاه العمال الذين وجدوا أنفسهم بلا عمل وهم كانوا ولايزالون الخاسر الأكبر من إغلاق شركاتهم فقد كان تحرك الإتحاد في منتهى التواضع والخجل ولولا بعض التصريحات والإنتقادات في الإجتماعات الدورية لقلنا أن قيادة الإتحاد تساير الحكومة تماما مثلما يسايرها مجلس الشعب وبطريقة تدعو للإستغراب والدهشة !
صحيح أن العمال لايزالون يتقاضون رواتبهم الشهرية لكنهم خسروا الحوافز والعمل الإضافي والمكافآت التي تعوّدوا عليها عندما كانت شركاتهم تعمل دون توقف .
لاأحد يجادل الحكومة في عدم استمرار شركات مثل الخشب المضغوط والكبريت وأقلام الرصاص وشاشات التلفزيون الأبيض والأسود والبسكويت لأن هذه مشكلتها في عدم تطوير هذه الشركات على مدى السنوات الماضية أو بتحويلها إلى صناعات جديدة مطلوبة في السوق المحلية .. ولكن لايمكن للحكومة أن تخلي مسؤوليتها عن العمال ، وبالتالي لايجوز أن توحي بأنها من خلال استمراراها بدفع رواتب وأجور العمال وكأنها تفعل ذلك من باب المنة والإحسان !
ولو لم تكن الحكومة تقصد ذلك لما أعلنت مرارا وتكرارا أن خزينة الدولة تتكفل بدفع رواتب وأجور عمال 14 شركة خاسرة وأن مادفعته الخزينة حتى نهاية عام 2008 بلغ 557 مليون ل س وأن ماستدفعه خزينة الدولة لهؤلاء العمال في عام 2009 سيصل إلى 937 مليون ل س .
حسنا لماذا لاتعلن الحكومة كم ربحت من إغلاق الشركات الخاسرة لأننا متأكدين أن رواتب العمال لايشكلون سوى جزء يسير جدا مما ربحته الحكومة من سياستها المناهضة للقطاع العام الصناعي !
نؤكد للحكومة أن العمال لايريدون منها منة ولا إحسانا فهم يتقاضون أقل من حقهم بكثير ليس الآن وإنما على مدى الأعوام الماضية تحت سمع ورضى الإتحاد العام لنقابات العمال !
ولو كانت الحكومة جادة وجدية بحل مشكلة البطالة المقنعة في القطاع العام لأنجزت قانوني تأمين البطالة والتأمين الصحي فهما يحفظان حقوق العمال المادية والصحية ، وبوجود هذين القانونين يمكن للحكومة التخلي عما تشاء من عمالة أو تسريحها وذلك بدلا من تمنين العمال العاطلين بدفع رواتبهم وأجورهم !
وأخيرا نسأل الحكومة : أليس قانون تأمين البطالة وقانون التأمين الصحي هما ترجمة عملية للشق الإجتماعي من اقتصاد السوق الإجتماعي ؟
ترى لماذا تتجاهل الحكومة أن هذين القانونين هما من صلب نظام الإقتصاد الليبرالي في الأنظمة الرأسمالية الغربية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق