15‏/04‏/2009

فلتان السلطة


ما يجري في الأسواق حالياً ليس مجرد ارتفاعات في الأسعار، بل هو فلتان بكل ما لهذه الكلمة من معان! لا ضابط أخلاقياً له، ولا وازع دينياً، ولا سلوك مجتمعياً إيجابياً، ولا رقابة فاعلة، حتى يكاد يصح القول في أسواقنا إنها صارت (أسواق كل مين إيده إله)! والخوف يتعاظم بين الشرائح الاجتماعية من ذوي الدخول المحدودة لا من استمرار هذا الفلتان فقط، بل من اتساع دائرته ليشمل سلعاً أخرى قد يكون بعضها أساسياً! ولا سيما إذا رُفِعَ الدعم عن المازوت مثلاً!
نتابع اجتماعات، ونقرأ عن إجراءات، ونسمع عن قرارات، لكن السوق على ما يبدو في وادٍ آخر، لا يتابع أصحابه شيئاً، ولا يقرؤون، ولا يسمعون إلا ما يريدون!
أوْقفوا تصدير بعض السلع على الرغم من ضرورة التصدير، لكن الأسعار لم تنخفض!
عُلِّق ارتفاع أسعار بعض السلع على مشجب التهريب، وكأن التهريب جديد ولم يكن قائماً! والمواطن يسأل: ماذا بعد؟! وما هو بعد قد يكون أسوأ! ونضيف إلى سؤال المواطن سؤالاً آخر هو: ضبط الأسواق مسؤولية من؟! هل هو مسؤولية الحكومة؟ وتحديداً مسؤولية الحكومة وحدها؟! أم هو مسؤولية عامة تتقاسمها مع الحكومة بعض هيئات المجتمع، ولا سيما غرف التجارة والصناعة؟!
ومسؤولية غرفة الصناعة والتجارة لا تنفي، ولا ينبغي أن تبرر تقصير الحكومة، وغيابها عن الأسواق غياباً شبه كامل، وإن كنا نسمع أو نقرأ خلاف ذلك، لكننا نعدُّها غائبة، ما دامت لم تستطع أن تضبط الأسعار عند حدود معينة ومقبولة وفي متناول الشرائح الاجتماعية المحدودة الدخل، ونعني بهم العاملين في الدولة ومؤسساتها وإدارتها الذين لا مورد لهم غير رواتبهم!
أم هو تحرير الأسواق والاقتصاد! هذا التحرير الذي يلغي كل دور للدولة في تحديد الأسعار؟! هل ندعو لعودة صالات الخضار والفواكه واللحوم على نحو أو آخر؟! هذه الصالات التي عرفناها وقت الضيق وقلة الإنتاج والأيام العصيبة؟!
كل اقتراح هنا يبدو غير مهم لأنهم لن يأخذوا به في ظل ما عرفناه، وأسموه تحرير الأسعار الذي يتطلبه اقتصاد السوق الاجتماعي! لذلك أعود إلى سؤال طرحته قبل أسطر عن مسؤولية غرف التجارة والصناعة، أم أن هذه الغرف لا دور لها في ظل اقتصاد السوق سوى تحقيق المكاسب لأعضائها وأفرادها والقطاعات المعنية بها؟! وهل يدرك قادة هذه الغرف، وأصحاب السوق أن استمرار الارتفاع يولد ركوداً في السوق، وانكماشاً سينعكس عليهم لاحقاً؟ أم أنهم سيدفعون أصحاب الدخول المحدودة إلى فساد وإفساد يعيشونه ويمارسونه لتأمين دخول إضافية تعينهم على تلبية احتياجاتهم؟! ولا أعتقد أنه ما زال خافياً على أحد أن الفساد لا يزال مستمراً، بل صار في بعض القطاعات وعند بعض الأفراد علناً، وفوق الطاولة!
ثم ألا يدرك من يعنيهم الأمر إلى أين يمكن أن نصل إذا استمر هذا الفلتان في الأسعار والأسواق، والذي وصل إلى قطاع العقارات والسكن؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق