29‏/11‏/2009

دمشق لازالت تنتظر



لا يزال حزب البعث العربي الاشتراكي، يحتل حيزا لابأس به من نقاشات، النخب السياسة السورية، معارضة وموالاة وما بينهما، ولا يزال بالمقابل الخطاب المدجج بالحالة العربية يملأ النقاشات السورية أيضا، والحدود تفتح مع تركيا، ومغلقة مع غالبية الدول العربية، وهذه الحالة مفروضة من تلك الدول أكثر مما هي مفروضة من سورية.
الحالة العربية بعثيا غير قابلة للحياة! وهذا أمر بات يدركه كل بعثي من المحيط إلى الخليج، غير قابلة للحياة دون شرطها الديمقراطي، وهنا نتحدث بشكل شبه مجرد، عن حزب كان ولازال في السلطة في بلد عربي واحد، هو سورية. لأن الديمقراطية الآن لم تعد قاصرة على حزب معين أو أيديولوجيا معينة، بل أصبحت مطلبا كاسحا لكل الأحزاب والأيديولوجيات، بما فيها كوادر كثير في حزب البعث الحاكم في سورية، وحتى من هم في السلطة، يدركون أكثر من غيرهم أن مأزق الحزب هو من مأزق الوطن، ومأزق الوطن هو من وضعية السلطة الاستثنائية في البلد.


البعثيون يدركون جيدا" أنهم غطاء لكل ملابسات ممارسات السلطة، سواء كانت هذه الملابسات من طبيعة ديكتاتورية أمنية، أو من طبيعية تمييزية دينيا- المادة الثالثة من الدستور السوري الرئيس مسلم- أو سياسيا- المادة الثامنة من الدستور السوري حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع، أو اثنيا على مستوى القضية الكردية، أو طائفيا على المستوى السوري كله، هذا إذا لم نتحدث عن اقتصاد هجين يجمع بين فساد السوق المحتكر من قلة سلطوية، وبين سوق الفساد المنتشر في كافة شرائح المجتمع ومؤسساته" هذا الغطاء أخطر ما فيه، هو تلك الممارسات والملابسات غير المقوننة، كالطائفية والفساد، وهذه منذ زمن بعيد جدا يتعدى العقود، لم تعد قضية شخوص بقدر ما هي قضية نظام وعلاقات، أي أنها ليست قضية رجل الأعمال رامي مخلوف، أو غيره من الذين أصبحوا واجهة اقتصادية كبيرة، وحوتا اقتصاديا يبتلع السوق السوري، ويحاول أن يقونن فساد هذا السوق وفقا للوضعية التي يحتلها هو وشركاته. الموضوع بات أكبر من الرجل ومن غيره، الموضوع" موضوع بلد بحاله بقضه وقضيضه" البعث الآن هو الغطاء القانوني والدستوري لهذا الخراب. لم يعد حزب البعث حالة أيديولوجية يمكن نقدها وتصحيح مسارها الأيديولوجي والسياسي، حزب البعث غطاء وجزء عضويا من هذا الخراب.


هنالك مبادرات فردية هنا وهناك، لإصلاح البعث وإعادته لدوره كقائد في الممارسات وليس في النص فقط، وكل هذه المبادرات تجد أبواب السلطة موصدة أمامها. فهل تنتظر دمشق التغيير أو الإصلاح من البعث السوري؟


المعارضة السورية، لم تعد تتعامل مع البعث كمكون سلطوي فاعل، بل تتعامل معه كغطاء كما قلنا، ولكن هنالك من يصب جام غضبه من المعارضين على البعث، كونه الحاكم بأمر الله، وهذا غير صحيح بالطبع.


كان مفهوما في السابق أن شمولية حزب البعث، تأتي من أيديولوجيته المتأثرة بالنزعة القومية الاشتراكية، حيث مثل بسمارك والتجربة الألمانية في المسألة القومية حدا يقابله حدا ستالينيا من الجهة الأخرى، في مسألة العدالة الاجتماعية، ورغم تأثر البعث بالماركسية، إلا أنه رفض كل ما أتت به الماركسية من حلول للمسألة القومية، وبقي متأثرا بالبعد التفوقي الذي بثته التجربة الألمانية حتى ولادة البعث، وما شكله هذا البعد من شوفينية في الطرح والأساليب والشمولية، فكان جديرا أن يكون غطاء، لممارسات ما تحت وطنية، من طائفية وعشائرية، تحت شعارات قومية.


فكيف يتخلص من هذه التركة الثقيلة؟
إما أن تخلصه السلطة ذاتها، أو أن تخلصه عملية تغيير ديمقراطية، فهل البعث قابلا لهذا؟
فهل تنتظر دمشق البعث كي ينقذها؟ هذا أمر بات من المستحيلات، لهذا نجد أن النقاشات عن البعث ودوره في سورية، هي مجرد التفاف على الوقائع الحقيقية التي تتحكم بهذا الخراب. وليس آخرها النقاشات التي تدور حول تعميم للبعث صدر مؤخرا، قيل فيه أنه يدعم تنظيمات أهلية سورية إسلاموية سلفية. هذه النقاشات تطالب السلطة بالحفاظ على علمانية البعث، وتحت النص تطالب السلطة بالحفاظ على علمانيتها، فهل السلطة علمانية في سورية؟
دعاة العلمانية أجدر بالجواب عن هذا السؤال، ودمشق تنتظر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق