31‏/12‏/2008

إيران والطريق المفتوح نحو المواجهة


يشكل قرار مجلس الأمن رقم 1737 الخاص بالملف النووي الإيراني، والذي صدر عشية الاحتفالات بنهاية السنة الميلادية، علامة فاصلة في سياق هذه الأزمة، التي راوحت مكانها منذ سنة ،2003 وهو رغم بساطته، وخفته، وتواضع الاجراءات التي تضمنها، فإنه يحمل نذر مواجهة متعددة الأطراف، باتت تلوح في الأفق، ويبدو أن مداها لن يطول.

لا تقوم فلسفة القرار على منطق العقوبات، لأنه من هذه الناحية جاء مخففاً، فعلاوة على أنه استهدف قطاعات لا يمكن أن تلحق ضرراً بإيران، فإنه صدر تحت المادة 41 من “الفصل السابع” لميثاق الامم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة. وبالتالي إن أهمية القرار تكمن في أنه وضع موعدا زمنيا جديداً، وأعطى لإيران من جديد مهلة أخرى، هي في اقصى تقدير ستون يوما، لكي تقوم بتعليق تخصيب اليورانيوم، وتعود إلى طاولة المفاوضات، وفق الأسس التي حددتها الوكالة الذرية للطاقة، الأمر الذي يعني في كل الأحوال، أنه ابقى على الازمة مفتوحة على احتمالات شتى.

والسؤال: ماذا يعني بقاء الأزمة مفتوحة، وهل تجدي مهلة زمنية جديدة، في حين أن المهل السابقة مرت، من دون أن تترك أي تغيير على المسار العام للقضية؟

يشكل القرار المذكور أقصى قدر من الاتفاق بين الاطراف الستة المعنية(الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن، بالاضافة إلى المانيا)، وقد تبين خلال المداولات التي استمرت قرابة شهرين من أجل صدوره بالاجماع، أن هذا هو السقف الأعلى من العقوبات الذي يمكن أن يصل إليه الروس والصينيون اليوم. وبالتالي إن طرح القضية من جديد أمام مجلس الأمن بعد شهرين، لا تُنتظر منه قرارات دراماتيكية، إلا في حالة صحت فيها التهديدات التي اطلقها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وأصبحت إيران دولة نووية قبل نهاية مهلة “الانذار” الذي وجهه مجلس الامن، حينذاك سوف تتغير المواقف تبعا لتغير المعطيات.

تبدو القضية في صيغتها الراهنة أنها قد أخذت تبتعد عن إطار مجلس الأمن، ومرد ذلك إلى الموقف الروسي الذي يعتبر أن دور المجلس هو “مساندة” وكالة الطاقة الذرية، وعليه يجب ان يعود الملف برمته إليها. ويقدم الروس حجة قوية على ذلك، مفادها أنه من غير المقبول أن يحل المجلس في مقام الوكالة، لاسيما وأن الوكالة قدمت منذ سنة ،2003 وحتى الآن 14 تقريرا حول الانشطة النووية الإيرانية، من دون ان تصل الى نتيجة تؤكد قيام إيران بنشاطات نووية تتجاوز المسموح بها بناء على اتفاقية منع الانتشار النووي.وعليه يطالب الروس بالعودة إلى نقطة الصفر، وإيقاف مسيرة تسييس القضية، التي اوصلتها الى مجلس الأمن.

صار واضحا اليوم أن مصلحة الروس النهائية في هذه القضية هي مع إيران، وقد كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صريحا جدا، حيث لم يخف شعوره بالنصر لصدور القرار ب”منسوب منخفض”، وذلك “حفظ مصالح روسيا الاقتصادية في إيران كاملة”، على حد تعبيره خلال اجتماع حكومي بحضور الرئيس فلاديمير بوتين.ومن المعروف أن هذه المصالح كبيرة ومتنامية باستمرار، وهي تقع في إطار شراكة اقتصادية واسعة، من بنودها بناء الروس لمفاعل “بوشهر” النووي، الذي سوف يتم تشغيله خلال سنة ،2007 وتزويد إيران بأنظمة تسلح عسكري حديثة...إلخ.

وبات الامريكيون على قناعة تامة بأن روسيا أرادت من خلال تشددها في هذا الملف، أن تظهر حجم دورها على المسرح الدولي، وتحديدا من خلال الاعتراض بشدة على صيغة العقوبات القاسية التي اقترحتها الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة. وقد وصلت حدة التجاذب الروسي الامريكي في الآونة الأخيرة من حول هذه القضية، إلى حصول مشادات كلامية بين لافروف ونظيرته كوندوليزا رايس. ويقول دبلوماسيون اوروبيون ان الوزير الروسي أبلغ الوزيرة الامريكية احتجاج بلاده على محاولات واشنطن تحريك الموقف في جورجيا ضد موسكو، ومد حلف الاطلسي حتى الحدود الروسية.

إن الاستنتاج الأساسي اليوم هو ان الروس استنفدوا امكانية مناقشة الملف الإيراني على صعيد مجلس الامن، من هنا فإن نهاية المهلة الزمنية سوف تشكل محطة مواجهة، بين إيران وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا، وفي الوقت نفسه محطة افتراق بين هذه المجموعة وروسيا. وبالتالي سوف يكون إطار التحرك المقبل ضد إيران رباعيا، وليس سداسيا، وسوف يخرج من إطار مجلس الامن شكلان: الأول، من خلال الاتحاد الاوروبي. والثاني، ثنائي. ومن هنا فإن صيغة العقوبات المقبلة سوف تكون عبر دول الاتحاد الاوروبي من جهة، ومن جهة ثانية عن طريق الولايات المتحدة وبقية اصدقائها في العالم. وسوف تمارس ضغوط من الطرفين لتعميم العقوبات لكي تتحول الى نوع من المقاطعة الدولية، التي ليس من المستبعد تطورها إلى عقوبات ضد روسيا نفسها، من خلال تجميد اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، وعرقلة انضمامها لمنظمة التجارة العالمية.

في العديد من المرات قدم الروس تفسيرا على قدر كبير من الاهمية، لسبب رفضهم للعقوبات القاسية ضد إيران، وقالوا إنها تمهد للعمل العسكري.. إن الأفق بات اليوم مفتوحا نحو هذه المقاربة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق