28‏/12‏/2008

المليارات المهدورة فوق رؤوسنا


لا نسمع وزيراً أو إداريا أو نقابياً إلا و يتحدث عن ارتفاع التكلفة في شركات ومعامل القطاع العام و عدم الاهتمام بالتقانة التنافسية لتخفيض التكاليف و الهدر بكافة مظاهره و صوره , و ارتفاع التكلفة لا يأتي فقط من الفساد و من الآلة و إنما يأتي من هدر طاقة الإنسان , و عندما تهدر هذه الطاقة ينتفي العمل و الإنتاج .
أقول ذلك لأن في شركات و معامل القطاع العام جيش من المرضى تدفع مؤسسة التأمينات الاجتماعية المليارات سنوياً ثمن علاج بالإضافة إلى ما تدفعه الشركات و المعامل بعضها يصل إلى 50 – 60 مليون ليرة سورية سنوياً .
تحدث هذه المجازر بحق الإنسان و التنمية في غياب شبه كامل للالتزام بأنظمة الصحة و السلامة المهنية و هذا يحمّل الإدارات و النقابات و مفتشي وزارة العمل مسؤولية فرض الرقابة الجدية على العاملين من أجل الالتزام بقواعد و أنظمة السلامة المهنية و يحمل العمال مسؤولية إتباع مثل هذه القواعد , كما يحمّل مؤسسة التأمينات مسؤولية توفير الخدمات الوقائية المناطة بالمؤسسة و التي تهدف إلى توفير الحماية من مختلف الأخطار التي يتعرض لها العمال نتيجة ظروف و طبيعة الأعمال التي يمارسونها وفقاً للتشريع الوطني و الاتفاقيات العربية و الدولية الخاصة التي وقعت عليها سورية قبل أكثر دول العالم .
ارتفاع التكلفة نعم , و يعني ذلك خسارة و عدم وجود تنافس في الأسواق .
يبلغ عدد العمال الذين أصيبوا بأمراض مهنية قبل خمس سنوات في مواقع الفوسفات في خنيفيس و المناجم بحدود 1500 عامل و لا أعرف العدد في هذا العام و هنا علينا أن نتصور مدى ما ينفق على هؤلاء لعلاجهم و مدى الهدر والخسارة التي تلحق بالمواطن و التنمية و الخزينة بعد خسارة الإنسان , و في شركة الإطارات 400 عامل حصلوا على تقارير طبية رسمية تؤكد الإصابة بأمراض مهنية و هؤلاء العمال يطالبون بإبعادهم عن العمل بموجب التقارير الطبية و لكن نظراً لعدم التعيين لا تبعدهم الإدارة , و هنا علينا أن نتصور الأداء الذي يقدمه العامل المريض .
و في شركة الأسمدة الوضع يتفاقم مع وجود مئات العمال الذين يعانون من أمراض خطيرة أبرزها السرطانات نتيجة التعامل مع الملوثات الغازية و السائلة و الصلبة و الأكاسيد و المواد الكيماوية المختلفة .
و في شركة اسمنت طرطوس و التي تضم 2500 عامل, هناك 1000 عامل مصاب .
و في مرفأي طرطوس و اللاذقية ظهرت أمراض سرطانية و أمراض خطيرة أخرى نتيجة عملية تفريغ مادة الكبريت المصنفة وفق القانون الدولي بالبضائع الخطيرة imdc و هي مادة صلبة قابلة للاشتعال و تطلق مواد سامة ينتج عنها: تهيّج جلدي و ضيق تنفس بسبب الروائح و الغازات و هي تأتي إلى سوريا على شكل مساحيق على متن بواخر محملّة ب30 طن و تفرغ بشكل بدائي بواسطة روافع مما يؤدي الى نشوء غازات سامة و غبار كثيف يعم المرافئ .
و لكن الأخطر ...
الأخطر هنا , و الكارثة الكبرى هي نقل التلوث من الشركات و المعامل إلى المدن و القرى و مثال ذلك مناجم الفوسفات في خنيفيس و الشرقية و مدينة عدرا العمالية, يرى الزائر سحابة من الغبار فوق المدينة العمالية المقامة بجانب المناجم و تفاجئ عندما تلتقي بالعمال و الكوادر الإدارية و الفنية بأحاديث لا تنتهي عن الواقع المأساوي حيث تنتشر الأمراض الخطيرة ليس في صفوف العمال فقط , و إنما وسط عائلاتهم و أطفالهم و خصوصاً السرطانات بكافة أنواعها و التقارير تقول :
إن نسبة إشعاعات كبيرة في الغبار المتصاعد من المداخن تحمل يورانيوم , و هنا علينا أن نتخيل الهدر في الإنسان و في الإنتاج .
و في مدينة عدرا العمالية تنفث مداخن شركة الاسمنت 7 طن غبار اسمنت في الساعة من كل مدخنة و هي ثلاثة و تغطي المدينة العمالية سحابة تمنع سكان الضاحية من نشر الغسيل خارج البيوت و أدى ذلك إلى أمراض رئوية خطيرة بدأت بالظهور بين سكان الضاحية , و قد سألنا مدير عام الشركة قبل عام عن أسباب هذا التلوث الخطير و قال :
إن الفلاتر قديمة و معطلة و لا توجد اعتمادات هذا العام أي عام 2007 لشراء فلاتر جديدة و لكن في عام 2008 سوف تركب الفلاتر , و نحن الآن في 2009 و لا زالت المداخن تنفث سمومها و تفتك بالسكان .
في شركة اسمنت طرطوس تم تركيب مجموعة فلاتر موزعة على 40 محطة و يبلغ وزنها الإجمالي 2500 طن . يقول السيد محمد ديب علي رئيس نقابة الاسمنت بطرطوس : أصبحت نسبة انبعاث الغبار في الجو أقل بكثير من المقاييس العالمية و قد تم إجراء تحاليل لانبعاث الغبار في الجو من قبل المعهد العالي للعلوم التطبيقية العالمية و كانت النتائج ممتازة حيث أثبتت أن نسبة انبعاث الغبار في الجو لا تتجاوز 1,9 ملغ بالمتر المكعب و المسموح به من 20 – 200 ملغ بالمتر المكعب حسب المعايير السورية , و هذه الفلاتر توفر ما يقارب 100 مليون ل س ثمن للمواد التي تمت إعادتها إلى الدارة بعد أن كانت منتشرة في الجو .
و يقول رئيس النقابة أن طبيعة العمل في شركة الاسمنت 3% و هذه النسبة من أقل النسب في كافة القطاعات علماً أن صناعة الاسمنت من الصناعات الثقيلة و السامة و يتعرض فيها العمال لكافة أنواع التلوث .
هنا نقف ...
إذا كانت النسبة المسموح بها 20 – 200 ملغ بالمتر المكعب . كم هي النسبة الموجودة في ضاحية عدرا العمالية , طبعاً لا توجد معايير و لا مقاييس لأن الإنسان لا قيمة له هنا , و لكن حسب ما نرى و حسب تقديرات الخبراء أن نسبة التلوث تصل إلى الدرجة العظمى و إذا كانت النسبة المسموح بها حتى 200 ملغ بالمتر المكعب فان الهواء الغير ملوث بالمتر الواحد يكون 20 ملغ بالمتر المكعب و هذا حقنا فقط كبشر ...
أيضاً هنا علينا أن نتصور مدى الهدر في اسمنت عدرا إذا كانت الفلاتر في اسمنت طرطوس وفرت 100 مليون ل س سنوياً كانت تهدر و هي زهرة الاسمنت , كم من الملايين توفر شركة اسمنت عدرا من هذه الزهرة التي تهدر في الهواء الطلق و تفتك بسكان الضاحية إذا ركبت فلاتر أسوة باسمنت طرطوس " المبلغ بالمليارات "
دور التأمينات ..
تقول أدبيات مؤسسة التأمينات الاجتماعية أن مديرية الصحة و السلامة المهنية تقوم بوضع و تنفيذ خطة عمل سنوية تتضمن توفير الخدمات الوقائية المناطة بالمؤسسة و التي تهدف إلى توفير الحماية من مختلف الأخطار الصحية التي يتعرض لها العمال نتيجة ظروف و طبيعة الأعمال التي يمارسونها وفقاً للتشريع الوطني و الاتفاقيات العربية و الدولية الخاصة بالصحة و السلامة المهنية و تشمل هذه الخدمات جميع العمال المعرضين المشمولين بقانون التأمينات الاجتماعية في سورية في مختلف الفعاليات الاقتصادية الإنتاجية الخدمية و الزراعية و في مختلف القطاعات العام و الخاص و المشترك و التعاوني . و يتم فرض عقوبات مالية بحق أصحاب العمل الذين يخالفون قانون أحكام التأمينات التي توجب على صاحب العمل إتباع التعليمات الكفيلة بوقاية عماله من إصابات العمل و إن تنفيذ السياسات و المهام المناطة بالصحة و السلامة المهنية في منشآت العمل يؤدي لتحقيق أهدافها البالغة الأهمية في :
-الحفاظ على القوى العاملة من التعرض لأخطار العمل المتعددة .
-تحقيق السلامة في أماكن العمل .
-الحد من الإصابات و الأمراض المهنية في المنشات .
-الحد من انتشار الملوثات الناتجة عن الصناعة إلى البيئة الخارجية مما يحقق صحة و سلامة المواطنين جميعاً من أخطار تلوث البيئة .
و يوجد لدى مديرية الصحة و السلامة المهنية مخبر مجهز بأحدث الأجهزة الطبية لإجراء كافة التحاليل المطلوبة .
قف هنا ..
قد تكون المؤسسة تقوم بهذا الدور فعلاً أو في جزء منه لأن الفقرة التي تقول " الحد من انتشار الملوثات إلى البيئة الخارجية "
ما هو دور المؤسسة إذًاً أمام تلوث عدرا ... لا دور نهائياً و هي لا تستطيع فرض رأيها على وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل أو على وزارة الصناعة و وزارة المالية لشراء فلاتر , و يبقى الدور محدوداً أيضاً حتى في الشركات و المعامل و هناك جهات عديدة أيضاً تتحمل مسؤولية السلامة المهنية في المعامل كاللجان النقابية و دوائر السلامة المهنية و لكنها بلا عمل أمام أخطر قضية .
و هنا أيضاً نتساءل عن دور مديريات البيئة التي شكلت في المدن السورية قبل أعوام.
و نصمت عن الكلام اللا مباح ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق