29‏/03‏/2009

و شهد شاهد من أهل النظام : قراءة في كتاب طلاس : " ثلاثة أشهر هزّت سورية "


و يتابع طلاس سلسلة فضائحه قائلاً :
}} *خطة العميد رفعت للسيطرة على دمشق :
كان العميد رفعت الأسد يستغل فترات ضغط الإخوان المسلمين على مرافق الدولة المختلفة ويطلب في ذروة الأزمة ضباطاً ومجندين إلى الوحدة، وكانت إدارة شؤون الضباط تستجيب له وكذلك شعبة التنظيم والإدارة الأمر الذي رفع تعداد الوحدة من ستة عشر ألفاً إلى أربعين ألفاً من مختلف الرتب. وقد ساعده في ذلك أن التطوع كان مفتوحاً لديه ولهذا فإن كل مجند يأتي إلى الوحدة يكون زيادة على الملاك. وحتى تستوعب سرايا الدفاع التي هي في الأساس (فرقة مدرعة) +لواء مشاة جبلي + ثلاثة أفواج إنزال + كتيبة "مغاوير خاصة" + كتيبة دبابات مستقلة، هذه الأعداد الكبيرة من الجنود، شكل العميد رفعت بصورة غير نظامية أربعة ألوية مشاة أطلق عليها "الألوية المحيطة" وأعطاها أرقاماً من عنده وكلف كل لواء منها بمهمة السيطرة على المحاور المؤدية إلى دمشق وفقاً لما يلي:
- اللواء الأول: محور حمص – دمشق.
- اللواء الثاني: محور بيروت – دمشق.
- اللواء الثالث: محور القنيطرة – دمشق.
- اللواء الرابع: محور درعا والسويداء – دمشق.
كانت الفكرة الأساسية للسيطرة على دمشق تقضي بإغلاق المحاور الأساسية في وجه الوحدات والتشكيلات الضاربة المتمركزة خارج دمشق والتي ولاءها معقود للقائد الأسد.. وفي نفس اللحظة تتحرك ثلاث مفارز قوامها سرية دبابات + سرية مشاة ميكانيكية + فصيلة هندسة عسكرية بمهمة السيطرة على منزل رئيس الجمهورية من قبل المفرزة الأولى، بينما تقوم المفرزة الثانية بالسيطرة على مقر القيادة العامة، والمفرزة الثالثة تقوم باحتلال مقر الإذاعة والتلفزيون وتعلن مباشرة على العالم نبأ استلام "رفعت الأسد" مقاليد السلطة في البلاد. ولإشعار سكان العاصمة دمشق بأن القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية، تقوم كتائب المدفعية /ب م 21/ بقصف دمشق عشوائياً لإرهاب السكان وقطع أنفاس الناس حتى يصبح أهل الشام مثل أهل بغداد أيام "الحجاج" سابقاً وأيام "صدام" لاحقاً.
بعد ذلك تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعملية نهب وسلب للمدينة المنكوبة وقد أبلغ العميد رفعت ضباطه وجنوده أن المدينة ستكون لهم حلالاً زلالاً مدة ثلاثة أيام بلياليها، وبعدها لا يجوز أبداً أن يظل فقير واحد في سرايا الدفاع. وإذا طلب أي جندي بعدها مساعدة أو إكرامية ستقطع يده. ولذلك على من يكتبوا تاريخ سورية الحديثة أن يقدروا مدى وأهمية الحكمة البالغة التي استخدمها الرئيس حافظ الأسد بنزع فتيل الأزمة على نار هادئة0{{ 0 انتهى كلام طلاس 0
هذه هي دولة العصابات المافاوية و البعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة المؤسساتية و دولة النظام و القانون ؛ فرفعت الأسد الذي أسس سراياه و عصابته منذ استولى شقيقه الأسد على السلطة على أساس طائفي بحت ؛ و بأسلوب لا يختلف عن أسلوب تشكيل العصابات الإجرامية ، أصبح بعد أن قويت شوكته يطمع بالوصول إلى السلطة و يريد تخليصها من عصابة أخيه الذي كان قد دعمه و أطلق يده في كل مفاصل و دهاليز الجيش و الدولة ، أما عن نشأة سرايا الدفاع المشبوهة فأكثر من يعرف بها هم أهلنا في جبال الساحل ؛ حيث كان رفعت يرسل عصاباته إلى قرى جبال الساحل الوادعة فيخطفون من أزقتها و ملاعب طفولتها كل من تقع أيديهم النجسة عليه من أطفال و يافعين بعمر الورود ( من عمر عشر إلى عمر عشرين عاماً ) ، يخطفونهم من ملاعبهم و مرابع طفولتهم البريئة دون علم أهليهم ، و يذهبون بهم إلى معسكرات السرايا في القابون و حول دمشق ، و هناك يفصلونهم و يعزلونهم عن أهلهم و مجتمعهم و مدارسهم ، و يقومون بعملية غسل دماغ لهم ، و يعلمونهم إلى جانب العسكر و القوة البدنية الطاعة العمياء لرفعت قائدهم و مطعمهم و كاسيهم و رمزهم و مخلصهم من حياة الريف الصعبة و الذي نقلهم نقلة نوعية لم يكونوا يحلمون بها إلى دمشق العاصمة حيث سيفعلون هناك كما يحلو لهم ؛ فالشعب يخاف منهم و يرهبهم ، فهم رجال القائد رفعت ، الذي يتزوج من يشاء من النساء ؛ و يخطف من يشاء منهن ، و يشارك كبار تجار دمشق المشهورين ، و يهابه كبار الضباط و المسؤولين ، و بعد فترة تدريبية قاسية ، يتعلمون فيها طاعة قائدهم رفعت و الحقد على أبناء وطنهم و جلدتهم ، و بعد أن يرتبط مصيرهم برفعت و سرايا الدفاع الذي أغدق عليهم من الأموال و الهدايا ما لم يكونوا يحلمون بها و هم الأطفال اليافعين الذين خطفوا من قراهم الفقيرة المحدودة الموارد و الشديدة البرودة و الصعبة المعيشة ؛ و بعد أن تركوا مدارسهم و ارتبط مصيرهم و مستقبلهم بسرايا الدفاع و بالقائد رفعت ؛ يسمح لهم بزيارة أهلهم في قراهم بعد أن يُهدّدوا بجلبهم بالقوة إذا لم يرجعوا إلى معسكراتهم من أنفسهم ، فهذه الدولة دولتهم و عليهم أن يحموها هم فقط شاءوا أم أبوا 0
هكذا كانت نشأة النويات الأولى لسرايا الحقد و الكراهية ، و كل ذلك بتشجيع من الأسد و تنسيق كامل بينه و بين شقيقه رفعت ، ثم أطلق الأسد يد شقيقه الطويلة رفعت في خزينة الدولة ؛ و فتح له المجال على مصراعيه في تجنيد و تطويع من شاء من الأفراد و الضباط حتى اتسعت سرايا الدفاع و أصبحت قوة قاهرة كبيرة تجاوز عديد أفرادها الأربعين ألفاً من مختلف الرتب ، و كانت إدارة شؤون الضباط و شعبة التنظيم و الإدارة ( التابعتين في الأصل لوزارة الدفاع التي يرأسها طلاس ) لا تستطيعان إن تعارضا طلبات رفعت المتكررة في توسيع عديد سرايا الدفاع و تميزها في السلاح الحديث المتطور و اللباس المميز و الرواتب العالية ( نسبة لسلاح و لباس و رواتب الجيش النظامي أو ما يسمى بجيش أبو شحاطة الذي ليس له مهمات سرايا الدفاع القذرة و مهمته لا تتعدى الدفاع عن الوطن ضد أعدائه الطامعين بينما مهمة سرايا الدفاع العظيمة هي الدفاع عن سلطة الأسد التي ليس بعدها مهمة ) ، بل و تساعداه على تحقيق أطماعه ؛ و خصوصاً في فترة صراع السلطة الأسدية مع الأخوان المسلمين نهاية السبعينات و بداية الثمانينات ؛ حيث كان لرفعت دور بارز في الدفاع عن سلطة الأسد ، و رغم أن وظيفة سرايا الدفاع الأساسية و التي أنشئت من أجلها هي الدفاع عن العاصمة من أي انقلاب أو هجوم يستهدف الأسد و سلطته ، لكنها أصبح بإمكانها بعد أن تضخمت و تغولت و غدت قوة هائلة إرسال قواتها للمدن الأخرى للمشاركة في إرهاب المواطنين و قمع المظاهرات الشعبية و تمشيط المدن و مهاجمة المعارضين هناك ، فكان لقوات رفعت شرف الهجوم البطولي الباسل على سجن تدمر السياسي في شهر حزيران من عام 1980 بعد محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها الرئيس الأسد ؛ حيث هُوجم السجناء العزل داخل زنازينهم و مهاجعهم ، و قتلوا و بدم بارد و خلال أقل من ساعة و تحت جنح ظلام الليل و السجن ، و كان عديدهم حوالي ألف من خيرة خريجي و طلبة الجامعات الذين كانوا يقبعون بلا محاكمات و لا تهم داخل سجن تدمر الصحراوي المخيف 0 كما كان له شرف المشاركة في مجازر حماة و حلب و إدلب و باقي المدن السورية و خاصة دوره البارز في مجزرة حماة الكبرى في شباط 1982 0
كل هذه الخدمات الإجرامية الجليلة أصبحت تؤهل رفعت الذي دافع عن سلطة شقيقه الأسد بكل ما أوتي من قوة و ما يحمل من طبائع إجراميه و غرائز سادية و موروثات حقد و مخزونات طائفية أصبحت تؤهله أن ينقلب على شقيقه ؛ و يستلم بنفسه قيادة مسيرة التصحيح و التحرير و التحديث و التطوير ، و يقود الدولة و الحزب و المجتمع في حركة تصحيحية جديدة و ثورة مظفرة مجيدة نحو أفق جديد واسع للأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة0
أما خطته في تحقيق حركته التصحيحية المجيدة الواعدة ؛ فهي بمحاصرة ألويته الأربعة المحيطة بدمشق للعاصمة من كل محاورها و قطع طرق الإمدادات عن الرئيس الأسد و عصابته ، ثم تقوم ثلاثة مفارز ( مؤلفة من سرية دبابات و سرية مشاة ميكانيكية و فصيلة هندسة عسكرية ) بمهمة السيطرة على منزل الرئيس و مقر القيادة العامة و احتلال مقر الإذاعة و التلفزيون لتزف البشرى على العالم بنجاح الحركة التصحيحية المجيدة الجديدة ؛ و لإشعار سكان العاصمة بأن القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية لا ترحم تقوم كتائب المدفعية ب م 21 ( التي تطلق 720 طلقة خلال دقيقة و ثلث ) بقصف دمشق عشوائياً ، لإرهاب السكان و قطع أنفاس الناس حتى يصبح أهل الشام مثل أهل العراق أيام الحجاج و صدام 0 ففي حديث هامس لرفعت مع مستشاره السياسي ( محمد حيدر ) و هما يمشيان تحت ضوء القمر في معسكرات القابون قال رفعت لحيدر و هو ينظر إلى أنوار دمشق الممتدة : مو حرام و أسافه أن تهدم هذه المدينة الجميلة 00 فأجاب محمد حيدر : و الله صحيح حرام و أسافه و لكن شو طالع بأيدينا غير هيك 0
و بعد ذلك تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعملية نهب و سلب للمدينة المنكوبة و جمع الغنائم من المواطنين المرهوبين و المغلوب على أمرهم ، و خاصة أن عناصر سرايا الدفاع قد اكتسبوا خبرات سابقة عندما نهبوا مدينة حماة بعد مجزرتها الكبرى في شباط 1982 ، و كانوا بعد أن فرغوا من نهب و سرقة سوق الصاغة و المحلات التجارية و البنوك و المستودعات و المخازن ، كانوا يقطعون أيدي و أذان النساء الأحياء منهن و الأموات للحصول على مصاغهن 0 و قد أبلغ رفعت ضباطه و جنوده البواسل أن دمشق ستكون لهم حلالاً زلالاً مدة ثلاثة أيام بلياليها و بعدها لا يجوز أبداً أن يظل فقير واحد في سرايا الدفاع 0 و إذا طلب أي جندي بعدها مساعدة أو إكرامية سيقطع رفعت يده 0
أما عقوبة اللص و القاتل رئيس العصابة رفعت و عناصر عصابته على هذه الجرائم الجبانة ؛ فسترد معنا لاحقاً في سياق كتاب طلاس الفضيحة ؛ لنقارن كيف عُوقب هذا المجرم سفاك الدماء و الحاقد مع عناصره الموتورين على جرائمهم هذه ؛ و كيف كان يتم قتل المواطنين الأبرياء العزل على الهوية في حلب و حماة و إدلب و تدمر و باقي المدن السورية ؟0
يقول باتريك سيل في كتابه الصراع على الشرق الأوسط في الصفحة 701 :
}} و في الثلاثين من آذار – مارس لم يعد رفعت يستطيع أن يتحمل التوتر 0 فمع استمرار انشداد الأنشوطة على عنقه ، و ربما بتحريض من أتباعه المتملقين الأذلاء و أصدقائه الأجانب ، أمر رفعت سرايا دفاعه بالتحرك بقوة إلى دمشق و الإستيلاء على السلطة 0 فتحركت دباباته إلى داخل العاصمة تماماً و تفوقت مدافعها على وحدات منافسيه 0 و اتخذت سرية دبابات ت 72 مواقعها عند دوار كفرسوسة خارج مبنى قيادة المخابرات العامة على طريق المطار حيث كان باستطاعتها أن تقصف المدينة 0 و احتلت دروع أخرى الحدائق الكائنة بين فندق الشيراتون ، و قصر الضيافة الجديد ، حيث تم زرع الألغام أيضاً 0 و طوقت فرقة مشاة محمولة مؤللة فندق المريديان و المجمع الذي يحتوي على مكاتب القيادة القطرية 0 و في مواجهة استعراض القوة هذا حشدت بسرعة دبابات شفيق فياض ، و انتشرت على طول النهر في معرض دمشق الدولي قوات المغاوير الخاصة التابعة لعلي حيدر 0 و أخرج المدنيون من بيوتهم الواقعة في مناطق الاقتتال المحتملة 0 و بدا الأمر و كأنه إيذان بحرب أهلية 0 و تجرأ الملحقون العسكريون الأجانب على الصعود إلى سطوح المباني بحذر و معهم المناظير المقربة ، ثم بعثوا بتقارير تقول إن إطلاق النار قد يبدأ في أية لحظة0
و راقب الديبلوماسييون هذه الدراما و هي تتوالى فصولاً ، و قد حيرهم بطْ الأسد الظاهر في الردّ 0 فقد بدا سلبياً يكاد يكون جامداً في مواجهة تحدي مع أخيه 0 فلو تضارب الجانبان في العاصمة لكان الدمار عظيماً جداً ، و لتشوهت صورة النظام إلى حدّ لا يمكن إصلاحه ، هذا إن بقي النظام أصلاً 0 و بدت كل منجزات الأسد في ثلاثة عشر عاماً من الجهود ، في الميزان معرضة للخطر ، و بدت معركة لبنان و قد خُسرت بعد الاقتراب الشديد من كسبها 0 و مع ذلك فإن الأسد لم يتحرك 0
كان الأسد يراهن على قدرته في السيطرة على أخيه حتى في النزاع الأخير ، و قد اختار ألا يكشف أوراقه 0 و مثلما كان الحال عندما بدأ الأسد يتهيأ للهجوم المعاكس في لبنان ، ربما أراد الأسد أن يستخرج أعداءه إلى أن يشعروا بالثقة في أنفسهم 0 لأن هذه لم تكن مشكلة تعثر بها و هو غافل 0 و قد أظهرت النتيجة أن قدرته على التحكم بالأحداث لم تضعف و لم تتضرر 0 فخلال أسابيع من مناورات القط و الفار ، مدّ لرفعت عمداً حبلاً يكفيه لشنق نفسه قبل أن يضطره إلى الخروج للتحريض و الفتنة و العصيان علناً 0 و لا شك في أنه قد فعل ذلك ليعطي نفسه مبرراً كافياً وافياً لإزاحة رفعت بشكل كلّي 0 و لم ينس الأسد أن يتخذ إجراءات وقائية عائلية 0 ففي اليوم الذي سبق زحف رفعت إلى دمشق ، رتب الأسد عملية جلب أمه ( التي كانت في الثمانينات من عمرها ) بالطائرة من القرداحة لتبقى في منزل رفعت0 كان يعرف أنها ما تزال تمارس تأثيراً قاهراً على طفلها الأصغر 0 و بالمقارنة مع لاعب في مثل ذكاء الأسد ، كان رفعت ساذجاً في ميدان السياسة 0 و هكذا أصبح المسرح جاهزاً لصدام الإرادات 0 {{0 انتهى كلام سيل 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق