12‏/05‏/2009

جدار الصمت أقوى من حاجز الصوت


الولاية الثانية للرئيس الشاب ولم يتطرق في خطاب العرش الثاني لأهم قضايا الوطن وهي كرامة المواطن السوري التي تحددها الجهات الأمنية، وتضع لها المقياس، وتهينها أو ترجيء اهانتها إلى وقت لاحق.
سبع سنوات مليئة بالوعود انتهت إلى كارثتين: أما الأولى فهي سيطرة فكرة الاجماع الشعبي على اعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد بنسبة تقترب من النسبة التي وضعها صدام حسين، وقام زين العابدين بن علي بتطبيقها، وهي تعني أن حفنة صغيرة جدا من سكان الوطن السجن قالت لا، أما الأغلبية الساحقة فلا تزال تتشرف بأن تكون في خدمة القصر، وتحت أمر الرئيس ولا يرفع أحد فيها عينيه أمام مخبر أو ضابط أمن أو مرشد لأجهزة الاستخبارات.
الكارثة الثانية التي قدمتها إسرائيل هدية للسيد الرئيس في ولايته الثانية هي اختراق الطائرات الاسرائيلية حرمة المجال الجوي السوري، والقيام بعملية ضد لبنة مشروع نووي سلمي، وهي تكملة للهدية الأولى التي منحتها لطبيب العيون في ولايته الأولى عندما حلقت الطائرات المعادية فوق القصر الجمهوري بعاصمة الأمويين لابلاغ رسالة لسيد القصر أن أسيادا آخرين على الحدود لا تستطيع دمشق أن تطلق حجرا عليهم وهم يرتعون في الهضبة السورية المحتلة منذ أن توقفت المدافع لأكثر من ثلاثة عقود خلت!
سبع سنوات ونحن نحمل الاثنين معا: محبتنا لدمشق ويأسنا من أي تغيير.
الرئيس بشار الأسد اختار الطريق الآخر المعادي لأماني شعبنا السوري وهو طريق السجون والمعتقلات والرقابة، حتى عالم الانترنيت أصبحت سورية فيه بقبضة أجهزتها الأمنية مساوية لكوريا الشمالية والصين وليبيا وتونس.
المحامي عبد الله سليمان علي لم يرتكب جريمة، إنما مارس حقه في انشاء موقع إلكتروني في أغسطس عام 2005.
وأرتكب المحامي جريمة نشر شكوى لم ترض عنها أجهزة الأمن فتعرض مكتب الرجل إلى حريق أتى عليه بعدما قام قراصنة الأمن الإلكتروني بسرقة أرشيف الموقع مما أنزل الرعب في قلوب الذين قرأوا، وعلقوا على المقالات أو تم الاحتفاظ بأسمائهم الحقيقية في أرشيف المشبوهين.
في 23 سبتمبر 2007 حكم القضاء السوري بالسجن على مواطن أدين بتهمة كتابة تعليق في موقع الكتروني!
وزير الاتصالات والتكنولوجيا عمر سالم اصدر قرارا يجبر أصحاب المواقع على نشر البريد الإلكتروني واسماء الذين ينشرون تعليقات ليسهل اصطيادهم، وهناك توجيهات لمقاهي الإنترنيت بالتجسس على المرتادين وأحيانا يتبرع صاحب المقهى بتصويرهم لكي يأمن على حياته حتى لو ضحى بالذين آمنوه على حياتهم.
لا تقدم السلطات السورية المتهم بنشر مقالات أو تعليقات على الإنترنيت فورا إلى المحكمة، ولكن عليه أن يختفي أولا في سجون ومعتقلات الوطن، وأن يبحث عنه أهله لعام أو اثنين، وأن يثق بأنه لن يخرج حَيّاً، ثم بعد ذلك يتم تقديمه للعدالة الظالمة وغالبا لا تحكم بالبراءة فالقضاء في خدمة السيد، والقاضي .. ممثل السماء على الأرض لا يرفع عينيه أمام ضابط أمن.
المفقودون في سورية قضية أم جريمة؟
إن عددهم الهائل غير معروف بالمرة، وقد يكونون آلافا أو عشرات الآلاف، لكنهم في كل الأحوال إدانة صريحة لكل من يدّعي أنه مهموم بسورية، وعاشق لها، وخائف عليها من اختراق الطائرات الاسرائيلية حاجز الصوت، لكنه في الواقع خائف من اختراق الضمير لحاجز الصمت.
كما أن مهانة السوري يمكن أن تنتهي بكلمة واحدة تخرج من بين شفتي سيد القصر، فإن معرفة مصير المفقودين ومحاكمة مجرمي الاختطاف والاخفاء وحفر المقابر الجماعية يتوقف أيضا على لحظة روحية تلمس فيها السماءُ الأرضَ السورية، ويقترب ضمير الرئيس الشاب من الروح العليا، فيأمر، ولن تقف قوة في قلب العروبة النابض أمام أمره الملزم والحاسم بانهاء دولة الاستخبارات وجعل تلك المهمة السامية والوطنية ضد أعداء يتربصون بسورية، وليس ضد مواطنين يبللون ترابها بدموعهم خوفا عليها.
كأن الرئيس السوري لا يعرف عن التاريخ الأمريكي سطرا واحدا، ولا يعرف أن حقوق الانسان الرخيصة والمهانة بل والصفرية في سورية هي التي ستمهد لدعم دولي مساند لواشنطون لو قررت أمريكا معاقبة إيران في سورية، أو احداث مزيد من التجزئة في العالم العربي، أو إنهاء دولة قد تصبح قوية جنوب تركيا أو شمال إسرائيل أو على مبعدة ساعة من بيروت. سبع سنوات والرئيس الشاب الذكي والمثقف والمُطّلع على المشهد الدولي بحكم ثقافته الغربية وتعامله مع تكنولوجيا المعلومات يُصَرّ على الانحياز للزنزانة ضد المواطن البريء، ولصناعة الخوف ضد تحرير مواطنيه، ولعالم الكراهية رفضاً لالتفاف الشعب حوله حبا واحتراما وتقديرا.
سبع سنوات عجاف أتيحت للرئيس فيها عشرات الفرص للحصول على الشرعية الشعبية وليس وراثة الحكم وتغيير الدستور ليناسب عمرُ الرئيس شرطَ توليّه الحُكم، لكن طبيب العيون اختار غرس اصبعه في عيون أبناء شعبه والحالمين بالحرية.
مَنّ مِنّا لا يتذكر ماهر عرار السوري الكندي الذي سلمته سلطات نيويورك للاستخبارات السورية لكي تنتزع اعترافا منه خلال جحيم عشرة أشهر، ثم اكتشف العالَم بعد الافراج عنه أنه بريء ولا يعمل بالسياسة قط؟
مَنّ مِنّا لا يشعر أنه ملتزم أدبيا ومعنويا ودينيا وضميريا بالمعتقلين ظلما وبهتاناً لسنوات لا نهائية في أقبية تحت الأرض تعف منها الحشرات؟

لهذا صمتت رئاسة الدولة عندما اخترقت اسرائيلُ حاجزَ الكرامة السوري، فالاسرائيليون يعلمون جيدا أن ضباط الاعتقال والاختطاف والتعذيب السوريين هم طابور خامس يعمل لصالح تل أبيب وينتظرون عدوانا أمريكيا صهيونيا لتكافئهم قوات الاحتلال كما فعلت مع المعارضة العراقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق