08‏/06‏/2009

"باب الحارة" و.. فلسطين: "حارَتان بدون باب"...!



الجزء الثاني من "باب الحارة" دراما اجتماعية شامية من تأليف كمال مرة واخراج بسام الملاّ... مسلسل تدور أحداثه في العشرينيات من القرن الماضي ويسلط الضوء على مناخ الحياة الاجتماعية الدمشقية والقيم النبيلة والعادات والتقاليد لهؤلاء الناس ومقاومة الاستعمار الفرنسي. "باب الحارةِ" مسلسل سوري جريء للغاية يمثل التجاذب السياسي في المنطقة ويقدم الميلودراما الاجتماعية المشوقة، التي توثق في تفاصيلها الحياتية واليومية على أثر خلفيات تاريخية ترتبط بأحداث سياسية تمثل واقعًا يعيشه شخوص العمل ويتفاعلون معه كجزء لا يتجزأ من مرحلة تاريخية. "باب الحارة" قدّم الكثير من الخيوط الدرامية الاجتماعية والشخوص التي يجتمع خيوطها وتفاصيلها في سرد عدة محاور عامة ورئيسية.. يعتبر مسلسل باب الحارة من أميز المسلسلات وأبرزها بل إنه تفوق في استقطاب المشاهدين خلال شهررمضان المنصرم، وذلك في التجدد في الطرح وسرد القضايا الاجتماعية والإنسانية في محور الحارة التي تمثل مدينة كاملة لاسيّما وان العمل يجسد عناصر التعاضد والرأفة والرحمة واللحمة الوطنية بين أبناء الحارة والانتماء لكل ماهو أصيل ضمن مجتمع تسوده حضارة متأصلة عريقة عنوانها الفضيلة.
منذ سنوات عديدة لم يتابع المشاهدون في فلسطين باهتمام مسلسلاً تلفزيونيًا عربيًا كما تابعوا خلال شهر رمضان الفضيل "باب الحارة". والملفت للنظر بان شريحة كبيرة تابعت هذا العمل من مختلف الاعمار والاذواق والمستويات الثقافية والاجتماعية لدرجة ان موعده في الثامنة مساءً اصبح موعدًا للجلوس امام شاشة التلفزيون منتظرين أحداثه.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا حظي هذا العمل بهذه المتابعة والاهتمام واستطاع ان يشغل الشاب قبل الشايب والصبية قبل الختيارة..؟
ان هذا العمل هو جزء ثان لجزء اول ناجح خاصة وان المشاهدين في فلسطين يحبّون هذا النوع من المسلسلات السورية التي تتناول حياة الحارة في الشام نظرًا لانها قريبة جدًا من بيئتنا. وقد سبق ان نجحت عدة مسلسلات من هذا النوع مثل "ليالي الصالحية" و"ليالي شامية" وغيرها، لكنها لم تحقق ما حققه "باب الحارة".
المسلسل يركز على العلاقات الانسانية والصراعات المنزلية او العائلية التي تنعكس على شريحة اكبر وهي الحارة. وبالتالي فان هذا النوع من الأعمال يصل الى المشاهد بسرعة ومن دون تعقيد خاصة وانه لا يحمل بين طياته اهدافًا وتوجهات لجهة معينة لانه يتحدث عن مجتمع محدود في زمن سابق. وحتى لو كانت هناك اسقاطات سياسية فانها لن تكون مباشرة وبالتالي لا تكون هناك أوامر وتوجهات تجبر المشاهد على التسليم بها بل على العكس فان المتابع للمسلسل يجد نفسه متعاطفًا مع ابطاله من دون التمييز وكأنه يعيش بينهم.
اعتماد روح الجماعية في المسلسل منذ الجزء الاول، اي ان البطل الحقيقي للعمل هو أهالي الحارة جميعًا لان قصصهم مترابطة وبالتالي فانه لا يوجد ممثل نجم ستتركز عليه الأضواء وستكون شخصيته مسيطرة بحيث يظهر في اكثر من ثلثي العمل او ان يفصّل المسلسل لممثل او ممثلة معينة بل على العكس الادوار في "باب الحارة" ان طالت او قصرت فكلها مهمّة. ربما يقدم اسم على اسم في المقدمة بحكم النجومية ولكن لا يحسّ المشاهد بالتركيز على اسماء المشاركين بالعمل بجزئيه الاول والثاني فقد استطاعوا النجاح والوصول الى الجماهير وتقديم عمل استحق المتابعة.
لقد نجح هذا المسلسل في استقطاب المشاهدين الفلسطينيين، لدرجة أن بعض المصلين وعند صلاة التراويح يستعجلون إمام المسجد في الحي الذي يقطنون فيه ويطلبون منه عدم الإطالة في قراءة القرآن لتمكينهم من اللحاق بالمسلسل حتى لايفوتهم منه شيء بسبب تعلقهم الشديد به.
واذا كان هذا العمل يجسّد عناصر التعاضد والرأفة والرحمة واللحمة الوطنية بين ابناء الحارة, فهل تعلّم من شاهدوه الدرس؟ أين نحن من التعاضد والرأفة واللحمة الوطنية والانتماء؟ فلقد اقسم قطبا "السلطة" بأنه لا عودة لطاولة الحوار وان لغة الاقتتال هي الحل..! فإمارة غزة الاسلامية الحمساوية ما زالت قائمة وكذلك هو الأمر بالنسبة الى محمية رام الله الفتحاوية. لقد ظن البعض منا بأن شهر رمضان المبارك سيفرض واقعه واحترامه على المقتتلين الإخوة الأعداء ولكنهم خذلوه وخذلونا ومرة أخرى خاب ظننا.. لا بأس فقد تعوّدنا على ذلك فقد اقسموا في مكة المكرمة اطهر بقعة على الأرض بألا يقتتلوا ثانية ويا ليتهم لم يفعلوا ذلك, فقد عادوا للاقتتال وبصورة أكثر شراسة ووحشية.. صورة تقشعرّ لها الأبدان.."واللي بحلف يمين كاذب يا ويلو من الله".
لقد اجتمعت صفتا العقل والقلب في"ابو عصام"، وعليه فقد استحق وبجدارة لقب "حكيم الحارة".. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هو حكيم فلسطين ولماذا اختفى؟ لقد اختفى في زمن نحن بأشدّ الحاجة اليه.. زمن يأكل فيه القويّ الضعيف.. زمن تؤخذ بل تسلب فيه أموال الفقراء لتوضع في خزائن الأغنياء, فلا رقيب يسأل ولا محاسب يحاسب.. زمن كثر فيه الأشخاص الذين اقسموا ان يكرّسوا حياتهم كلها ليكونوا للأسف الشديد مثل" أبو غالب" متخصصين في إثارة الفتن والكراهية والحقد بين أبناء شعبنا الواحد.
ان الوضع الداخلي الفلسطيني المؤسف والمخزي في نفس الوقت وخاصة في غزة سببه اختفاء شخص حكيم فلسطين, والاحتلال الإسرائيلي كان عاملاً مساعدا فيه. فقد رحل عنا عرفات وأبو على مصطفي وأحمد ياسين وغيرهم، وأبعدت الظروف الإرادية "حكيم الثورة" جورج حبش عن ميدان السياسية. رحل عنا هؤلاء العظام وتركونا يتامى بلا "حكيم"..! اكتب هذه الكلمات ولسان حالي يقول: هل قريبًا سيجد شعبنا الحكيم البديل الذي سيخرجنا من أزمة الموت والدمار الداخلي أم عجزت الأرحام عن إنجاب مثل هؤلاء العظماء؟
لقد اعتمدت روح الجماعية في "باب الحارة", فالبطل الحقيقي هو أهالي الحارة جميعًا.. فهل يعتمد قطبا الرئاسة الفلسطينية هذه الروح؟ والجواب طبعا لا.. لأن الكراسي أعمت قلوبهم ووضعوا المصالح الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة فوق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.. هذا الشعب الذي ضحّى ابناؤه بالغالي والرخيص من أجل تحرير الوطن المغتصب, ولكن وللأسف لقد بدأ الأوسلويون ببيع ما تبقى (هذا ان بقي) من الوطن.. وحتى حق العودة المقدس لم يعد يمتلك عذريته فقد فضّوا بكارته..!
نعم لقد نجح مؤلف هذا العمل وكذلك مخرجه نجاحًا كبيرًا..وها هنا ينجح المؤلف الصهيوأمريكي أيضًا في عمله نجاحًا لم يكن يتوقعه.. نجح في تقسيم ما تبقّى من الوطن الى محميات لا حول لها ولا قوة.. محميات لا سلطة لها ومحاصرة ومن كل الوجوه. واذا كان المؤلف الصهيوامريكي قد نجح كل هذا النجاح فان المخرج الفتحاوي-الحمساوي قد نجح نجاحًا منقطع النظير..كيف لا وهذا ما أراده مؤلف هذا العمل.. فكل مؤلف وهذا أمر طبيعي يريد لعمله النجاح الباهر..!
لقد قام ابناؤك يا فلسطين بخيانتك رغم كونك أمانة في رقابهم, لكنهم لم يحافظوا عليها.. "والخاين يا ويلو يا ويلو من الله".. نعم يا شهيدنا كمال ناصر لقد صدقت عندما قلت: "سيأتي عليكم يوم تصبح فيه الخيانة مجرّد وجهة نظر".. وها نحن نعيش هذا اليوم..!
يا موطني ترى ترابك مو..تراب *** حفنة ترابك يا وطن "تسوى وطن"...!
بعد هذا النجاح الباهر للجزء الثاني لمسلسل "باب الحارة" يستعدّ المؤلف كمال مرّة وكذلك المخرج بسام الملا لإنجازالجزء الثالث.. فما هي أحداثه يا ترى؟ ان احداثه ستكون رحاها في"فلسطين".. ولكن"باب الحارة" سيحمل اسمًا آخر.. فلسطين "حارتان بدون باب"..! ولكنني سأبقى متفائلا بعض الشيء، فرغم الخلاف الذي كان بين أبناء الحارتين في "باب الحارة" إلا انهم تجاهلوه واتحدوا من أجل مواجهة العدوّ المشترك.. وكلي أمل بأن هذا ما سيحصل في وطننا الحبيب. وعليه لنعمل معًا لرسم نهاية سعيدة لثورة تستحق هذه النهاية السعيدة، ولشعب لا يستحق وبكل صدق نهاية ما يحدث من أزمات داخلية قامت بتمزيقه وتقسيمه. وأنهي بما انهاه زعيم الحارة "بتصرف": "مهما صار بين ولادك يا دار..ترابك أغلى من الولد والمال.. يا فلسطين هدول رجالك.. طلعو فدا لترابك.. إيد وحده اتعاهدوا.. وبعروق الدم توحدّوا"..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق