23‏/12‏/2009

النظام السوري يحول السوريين إلى متسولين ومتهمين


تبدو سورية للخارج الإقتصادي والإعلامي وكأنّ لا أحداث مهمة في سورية على مدى عامين سوى المازوت المدعوم ، وبدا الأمر للمرقبين الخارجيين غير المطلعين بواقع الأمور وكأن سورية تعاني من أزمة في المشتقات النفطية وبأن العرض أقل بكثير من الطلب بدليل مشاهدة الحشود السورية أمام مراكز توزيع المازوت لعدة أشهر منذ عامين تقريبا ، وعودة هذه الحشود هذه الأيام أمام مراكز توزيع شيكات المازوت المدعوم !
والذين يعرفون في الخارج أن سورية مصدّرة للنفط لكنها تستورد المازوت بكميات تزيد عن حاجة السوق سيكتشفون أن الأزمة سببها أن غالبية السوريين غير قادرين على تأمين إحتياجاتهم من المازوت بعد رفع سعره من 8 ل س لليتر الواحد إلى 25 ل س دفعة واحدة ثم تخفيضه قليلا إلى 20 ل س !
أما بالنسبة إلينا فنرى أن حكومة المهندس محمد ناجي عطري حوّلت مئات الألوف من السوريين إلى متسولين على ابواب مؤسساتها وإداراتها ، والأخطر من ذلك إرغام كل من يريد الحصول على الدعم النقدي الذي لايتجاوز العشرة آلاف ليرة على تعهد حوله إلى متهم حتى يثبت العكس !
فقد نص التعهد على عبارة ( أتعهد بصحة البيانات الواردة أدناه وأتحمل كامل المسؤولية عنها ) .‏‏‏‏
لاندري كيف ستكتشف الحكومة جميع من تقدم ببيانات مزورة ، أو كيف ستنفذ الملاحظة التي وردت في نهاية التعهد وهي ( في حال إعطاء بيانات غير صحيحة يسترد مبلغ الدعم من المخالف ويغرم المخالف بضعفي المبلغ الذي قبضه ) .‏‏‏‏
ولكن الشيء المؤكد أن الحكومة قد خططت منذ اكثر من عامين كي تبقى قضية ( المازوت المدعوم ) الشغل الشاغل للسوريين على مدار أيامهم وأسابيعم وأشهرهم وسنواتهم لتبقى مهدورة على أبواب الحكومة !
وما يثبت ذلك أن الكشف عن المتهمين بالتزوير يحتاج إلى جيش من الموظفين للتدقيق في البيانات !
لاشك ان من السهل محاسبة من زوّر البيانات إذا كان من العاملين في الدولة إذ يقتطع من راتبه قيمة الشيك مع ضعفيه على مدى عدة أشهر .. ولكن كيف ستسترد الحكومة المبلغ مع الغرامة من مواطنين غير عاملين في الدولة أو عاطلين عن العمل ؟
لامجال هنا امام الحكومة إلا بإصدار قرارات توقيف أو سجن المتهمين أو إحالتهم على القضاء أو الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة هم وأفراد اسرتهم ومنعهم من السفر .. وغيرها من الإجراءات التي تتيح استمرار شغل السوريين بقضية المازوت المدعوم وتداعياتها المتنوعة الأشكال والأحجام !
نعم لقد نجحت حكومة عطري بإشغال ملايين السوريين بقضية المازوت المدعوم ، ونجحت بإشغال آلاف الموظفين لتوزيع القسائم والشيكات على مدى عامين ، والنجاح الأكبر كان وسيكون بفتح أبواب الفساد على مصراعيه !
وإذا كانت القسائم اتاحت مجالا واسعا للتزوير والفساد والمتاجرة فإن أسلوب الشيكات سيفتح مجالات غير مسبوقة في الفساد الإداري !
ولاندري ما الإبتكار الذي ستتحفنا به حكومة المهندس عطري العام القادم كي تبقى الأزمة مستمرة ، ولا نستغرب قيام حكومة عطري بابتداع أسلوب جديد يزيد من تسوّل وإذلال السوريين أمام العالم الخارجي وتحويلهم إلى متهمين أكثر فأكثر !
وقد حرصت حكومة عطري على عدم تنفيذ الصيغة الجديدة قبل حلول فصل الشتاء كي تتضمن ان البرد القارس سيدفع إلى خروج عشرات الألوف من السوريين يوميا وعلى مدى أسابيع إن لم يكن أشهر ليشكلوا لوحة سريالية أمام الأبواب الحكومية تعيد أمجاد الحكومة الماضية في الثمانينات عندما كان المواطن السوري يهدر عدة أيام للحصول على علبة محارم او كيلو بندورة أو ليمون !
ولو كانت الحكومة مهتمة بتوزيع الدعم بيسر وسهولة بعيدا عن التظاهرات والحشود أمام مراكز توزيع الشيكات لاتخذت القرار في مطلع أيلول على الأكثر لافي نهاية كانون الأول !
وقد سبق لرئيس الحكومة أن أكد أمام مجلس الشعب في نهاية شهر آذار 2009 ( أن المعونة المالية التي ستقرر لاحقا لكل عائلة ستدفع على دفعتين سنويا الأولى في الأول من أيلول القادم ) !
لكن يبدو أن الحكومة رأت فيما بعد أن هذا التاريخ لن يتيح خلق أزمة ( مازوت مدعوم ) في سورية فتحللت من الموعد المقرر قبل عدة أشهر وتركت الأمر معلقا في الهواء !
وتحقق للحكومة ما ارادت فعلا إذ تحول ( المازوت المدعوم ) مع الجلسة الأولى لمجلس الشعب في مطلع تشرين الأول إلى أولوية كادت أن تكون وحيدة على أجندة مجلس الشعب واتحاد العمال واتحاد الفلاحين والإعلام الرسمي والخاص وصولا إلى الإعلام العربي .. وربما دون أن ندري الأجنبي إلى حد ما أيضا !
وحسمت حكومة عطري أمرها دون أن تسمع لأحد ، ولم تنفذ قرارها المازوتي إلا في عز الشتاء !
والأهم بالنسبة إليها عدم إذعانها لمطالب العمال ومجلس الشعب والفلاحين باعتماد صيغة أكثر عدالة وراحة للمواطن والموظف لأنها لو اذعنت للمقترحات البديلة لما نشبت أزمة مازوت مدعوم ..
بل كيف ستذعن وهي تسعى إلى استمرار الأزمة على مدار العام ؟!
وربما فرحت حكومة عطري كثيرا عندما اكتشفت نتائج غير محسوبة لقراراتها ( المازوتية ) ..
فقد رفض عشرات الآلاف من السوريين ، وبخاصة القاطنين منهم في المناطق الجبلية والداخلية الشديدة البرودة ، التسول امام الأبواب الحكومية أو تحويلهم إلى متهمين حتى تثبت براءتهم وفضلوا العودة إلى عصور الفحم الحجري والحطب الصناعي والطبيعي والجفت ..الخ .
اما من يسكن مناطق المخالفات فهو غير معني بقرارات الحكومة المازوتية لأنه يستجر الكهرباء مجانا وبالتالي ليس بحاجة إلى المازوت المدعوم او غير المدعوم فالكهرباء المجانية توفر له الدفء والمياه الساخنة على مدار اليوم ، وهذا لايعني انه بغنى عن الشيك ( المدعوم ) لكنه غير مستعجل بالحصول عليه الآن وقد ينتظر حتى انتهاء الشتاء ليحصل عليه بالراحة !
وليس مستغربا أن تشجع حكومة عطري خلال الأعوام القادمة العودة إلى أساليب التدفئة التي انقرضت سواء في سورية أو العالم ونعني بها الفحم والحطب والجفت وغيرها لأن هذه الأساليب المنقرضة تؤدي إلى تخفيض ( فاتورة المازوت ) مما ينعكس توفيرا بمليارات الليرات على خزينة الدولة !
ولا يهم الحكومة هنا إذا ادى اسلوب التدفئة بالحطب المجاني من الطبيعة إلى انحسار الغابات الحرجية وانقراضها من الوجود تدريجيا لأنها بالأساس غير مهتمة بالغابات ولا بالزراعة فجل اهتمامها هو المستثمرين وكبار رجال الأعمال ..
وليتسول ماتبقى من السوريين على الأبواب الحكومية أو يسرقوا الكهرباء أو يعودوا في فصل الشتاء إلى العصور البدائية !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق