28‏/12‏/2009

لمن تُدقّ الطبول؟؟...


ستون عاماً ويزيد وطبول العرب تُدقّ صاخبة لتحرير فلسطين.

ستون عاماً ويزيد ونحن نعيش على وقع رقصة الحرب العربية، وما رقصنا إلا كالطير المذبوح..

فلمن تُقرع الطبول الآن؟؟...

كنت صغيراً حين انحفرت في الذاكرة صورة أمي وولولاتها وصراخها، وتقطيع ثيابها على أخيها (خالي) وقد جاء خبرٌ عام باستشهاده، أو جرحه في فلسطين، وكان متطوعاً في "جيش الإنقاذ" مع فوزي القاوقجي (عاد خالي سالماً، وحدّثنا طويلاً، ومرِاراً، ومَرَاراً عن تلك التجربة ـ الهزيمة المأساة، وعن القصص التي سمعها، لكن صوت أمي بقي عميقاً في الذاكرة والوجدان).

كان عليّ أن أُقسم أغلظ الأيمانات بأن ذلك حصل وعمري ما تجاوز العامين، لأن العلم لا يعترف بقدرة الذاكرة على التسجيل في مثل ذلك العمر، إلا إذا كنت من النوع الاستثناء، أو العبقري. ولأني لا هذا ولا ذاك اعتقدت أن قوة فلسطين فينا، وحليبها الذي رضعناه صغاراً، وتكرار حالات الندب والعويل، وأصوات طبول الانتصار والتحرير الصاخبة.. خلط الأمور والصور علينا، تماماً مثلما اختلطت فينا وعلينا الأحلام بالوقائع، فسبحنا طويلاً في مياه المسابح التي تخيّلناها، وحملنا التحرير أماني عَبقة، وقرعنا طبوله، ورقصنا في حلقاته حتى الانتشاء والدوخان، وكأننا في حلقات ذكر أو زار تُنسينا الواقع، فنرتفع إلى اللامرئي، وعندها نرسم اللوحات والأشكال التي نتمنّى.. وقد نعتقدها واقعاً، وشخوصاً، وأحداثاً، وربما توقّعات ونبوءات، ولا نشبع، لأن قرع الطبول، أو دقّها إدمان اختلط علينا فيه الحابل بالنابل، المتوقّع والمصنّع، الراكب والمركوب..

نعم، ستون عاماً ويزيد ونحن ندقّ الطبول، أو نسمعها مُجبرين، وكأننا اعتدنا الدقّ، وكأننا أدمنّا فعل التدويخ وزوغان البصر والبصيرة، أو فعل الرحيل إلى اللامرئي لرسم العالم الذي كنا به نحلم، ففرّ من بين قبضاتنا وأصابعنا، وما عاد غير الندم، وتدبيج حبر الأماني، وكتابة المذكرات المليئة بلو، ولو.. ورغم ذلك ما زلنا ننتشي لصوت الطبل ولا نميّز نغماته، وأهداف ضاربيه، وتوقيته، وهل هو طبل الأعراس والدبكة، أم طبل الأتراح، أم فرحاً بقدوم مسؤول، أم تمريراً لوضع، وتبليعاً لمرحلة، وصرفاً لأنظار، أو تلميعاً وتمييعاً.. فلا نحسّ إلا وقد انغمسنا في حلقة الذكر والزار، وهات يا تحليلات، وهات يا توقعات، وهات يا سيناريووات، وهات يا اندفاع وبيانات (حب الوطن والوقوف في خندقه، والاستعداد لحمل بندقية ما دفاعاً عنه، وعن النظام الذي يقرع، أو يسخّن..)، بينما ألِفَ عدونا التخطيط لفعل مارسه طويلاً بتوقيت وترتيب، ووفق معطيات ومعلومات يتبجّح بها فيعلنها بطريقة استعلائية الذي يعرف أننا لا نقرأ (كما قال ديّان)، ولا ندري مدى تأثّره بنا (وقد عاشرنا أزيّد من ستين عاماً)، وبالعولمة المعولمة، وجنون اليمين المحافظ في أمريكا، فراح يقلّدنا ببعض الشطحات(من شطح وركح)، لتمتلئ الأجواء بكلام الحرب القادمة، ثم تفاصيل (الخبراء والمحللين) وهم يستعرضون لنا أنواع السلاح لدى كل فريق، واتجاه الضربة، ونتائجها، وكمّ الصواريخ التي ستتهاطل على الكيان ومدنه ومناطقه الحيوية(بما يتجاوز السنّ بالسن، والعين بالعين، إلى ما يمكن تخيّله بدء النهاية)، ليأتي من يبشّرنا بقرب زوال "إسرائيل"، بل هناك من شمّ الرائحة ورأى تحقق ذلك في الأحلام(أحلام لا تسقط على الأرض)، وهات يا ردح، وهات يا طبول..

****

قبل عامين راهنت رفيقاً صديقاً على حفلة عشاء عرمرية حول: احتمالات ضرب إيران، كان مقتنعاً مائة بالمائة أن الضربة قادمة لا محال، لأن "إسرائيل" والغرب كله لا يسمحان لها بامتلاك السلاح النووي، وقد اقترَبَتْ منه، لذلك توقّعَ دنوّ الضربة الماحقة، وذهب أبعد وهو يحدد موعداً، أو موعدين تقريبيين(صيف أو أواخر عام 2009)، وقد بنى تقديراته على منطق الأمور الذي يشير إلى ذلك بشكل سلس، وعادة الكيان في تدمير محاولات العرب النووية، واغتيال كومة من العلماء العرب المختصين بالذرّة، ناهيك عن الشطحات البوشية التي تزيدها احتمالية طبول التصريحات التي تدقّ بقوة، ومن أكثر من جهة، فتدوّخ فعلا حتى من لا يدوخ.. وقد ربحت الرهان، لكن صديقي لم يقتنع بالنتيجة، وتقديره أن المسألة وقتية، أي أن الضربة قادمة، قادمة.. و(سنرى).. سنرى لأن "إسرائيل" يستحيل أن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي... في حين أن أسئلة مشروعة تطرح نفسها بقوة عن مسببات الانتظار كل هذه السنوات، وعن اتجاه الاستخدام (إن امتلكته إيران)، وموقع البدائل في الأجندة الصهيونية والأمريكية، والغربية على العموم، ونقصد بها مجموعة الأولويات، وموقع المرجّح منها، ولوحة ما يجري في المنطقة من تأجيج طائفي وحروب أهلية معلنة، وكامنة، وساح العراق كاشف وامتحان..

منذ وقت قصير ارتفعت وتيرة الدّقّ. تناوبت وتنوّعت، فرددها الصدى، والعديد من الباحثين والمحللين والنشطاء والمفكرين، وأنهكوها بحثاً وتمحيصاً واستقراءً وكتابة من العيار الثقيل، خاصة وأن السيد حسن نصر الله لم يفوّتها، بل توقف عندها تحليلاً ووعيداً، ثم جاء أحمدي نجاد إلى سورية فأشبعها بعداً استراتيجياً، واتفاقات ثنائية، وثلاثية، ومع الفصائل الفلسطينية.. مما يعني أن المسألة تبدو وكأنها جدّية، وأننا مقبلون على حرب قادمة خلال أيام، أو أشهر (كثيرون يحددون تواريخ تقريبية: الربيع، أو الصيف القادمين، مثلما حددها نجاد)، وكثيرون يشرحون، ويوصّفون، ويكتبون عن الحرب القادمة، وعن الوقع الخاص لطبول هذه الأيام.. التي ستكون مختلفة عن طبول الأيام الخوالي، فيبشّروننا باقتراب محق وزوال الكيان الغاصب، وتنتشي الأحلام....

ما من أحد يشكّ، ورغم انتصارات الكيان الصهيوني على العرب (بالجملة والمفرّق)، وتثبيت أركان ذلك الكيان، وأخطبوطية علاقاته بالغرب الإمبريالي، ومدى تغلغله ونفوذه في دوائر صنع القرار، والتأثير على الرأي العام، وفي الاقتصاد وغيره، ومستوى تحاتلفاته العضوية بعموم الدول الغربية (على رأسها أمريكا)، وتقدمه العلمي والتسليحي والعسكري، وفي ميادين كثيرة، وإلحاقه الهزائم بالنظام العربي، ثم اختراقه له بعمق عبر الاتفاقات وعمليات التطبيع والتعاون متعدد الوجوه (المكشوف والمخفي)، وتراجع موقع وحال وفعالية القضية الفلسطينية،وفكرة قيام الدولة الموحّدة المستقلة..إلخ... إلا أنه يعاني، بالأصل، أزمة بنيوية عميقة. أزمة كيان، وأزمة مستقبل، وأزمة وجود هجين وسط بحر عربي يستحيل ابتلاعه..

ولئن شكّلت الحروب العدوانية المبرمجة واحدة من صفات ذلك الكيان: التوسعية، الاستنزافية، الإجهاضية، ومن قنوات التصريف والامتصاص والتسكين والتخدير.. فإنها وصلت السقف في عدوان تموز/2006/ على لبنان، والعدوان على غزة (محرقة أواخر 2009) دون أن تحقق كامل الأهداف المُعلنة (جوهرها)، وارتدّت عبر صعود بارز لليمين الأكثر تطرفاً: اليمين الفاشي، الدموي، وبما يطرح أسئلة قوية لدى عديد الإسرائيليين عن مستقبل ومصير هذا الكيان النشاذ الذي فشل في تطبيع وجوده مع العرب: الشعب والنخب الثقافية، كما فشل، رغم كل ما حققه في حروبه، من اشتلاع الشعب العربي الفلسطيني، ومن تكريس عنصريته (المطالبة بالاعتراف بالدولة اليهودية ابتكار مأزوم)..

اليمين الأعنف الذي يجد صورته الصارخة في وزير الخارجية (الدوبرمان ليبرمان، الذي لو كان عربياً لرجم، وصلب بتهمة الإرهاب الدولي، والتحريض على الإبادة الجماعية) يعشق قرع الطبول الكبيرة، لإحداث الأصوات الصارخة، الصاخبة التي تشكل جزءاً من عقيدته وفلسفته وتكتيكاته، وخلط الأحلام الإجرامية بالتسويق الداخلي فتخرج بين الفينة والأخرى تلك التصريحات النارية (اللامسؤولة).. فتلتهب الأيدي بالدقّ المألوف على طبول التسخين، وتبدأ حلقات الذكر احتفالاتها.. أو ترديد الصدى الباهت.. وهو، في عمق تشكّله الإجرامي، ومعه نتانياهو.. يجدان في الحروب فرصة لتحقيق سقوف الأحلام الأكثر تشدداً، لكن تلك السقوف يمكن أن تسقط عليهما، وعلى البنيان برمته، خصوصاً وأن الأوضاع الداخلية الإسرائلية لا تحتمل المزيد من الحروب، ناهيك عن احتمالات الفشل، والخسائر، كما أن الوضع الدولي بقيادة إدارة أوباما لا تميل إلى (الأعمال الجراحية) العنيفة في حل الإشكالات الدولية، هي التي لا تعرف سبل الخروج من مستنقع العراق وأفغانستان، وأزمتها الاقتصادية الطاحنة، وسمعتها السيّئة في العالم..

وقبل بعض التدقيق بالوقائع والحقائق، فإن من قرأ بتمعّن خطاب السيد حسن نصر الله، لا بدّ أن يتوقف عند ما يُعتبر جوهره، حيث أكّد أنه، وحسب دراسة أوضاع الكيان من كل الجوانب، وكافة المعطيات المحيطة به، وبالقوى والدول التي تستهدفها تصريحات ليبرمان، والوضع الدولي.. فإنه (أي السيد حسن) لا يتوقع حرباً قادمة في زمن قصير، ولا يعتقد أنّ قادة الكيان قادرون على شنّ عدوان يحقق الأهداف التي يسعون إليها (نصراً حاسما، وسريعاً، ومضموناً).. ومع ذلك انهالت التوعّدات التي اعتبرها نوعاً من الردع، أو التحذير.. (كأننا ننتظر الدوبرمان لنفيض..).

السيد أحمدي نجاد يعلن في دمشق أن العدوان قادم (لم نعرف من المُستهدف منه)، ويحدد زمناً تقريبياً (الربيع أو الصيف القادمين)، ولذلك اعتبر العديد من الكتاب والمحللين أن تلك الاجتماعات التي عقدها هي "مجلس حرب " حقيقي، فانهالت التحليلات والتوقعات.. وبدأت طبول المنطقة تدقّ أعنف ضرباتها...وكأننا فعلاً في أجواء حربية يبشّرنا فيها مرشد الثورة الإسلامية (علي خامئني) أنّ زوال "إسرائيل" قريب، وأنه يتوقع انهيارها الحتمي...

****

إذا كانت تقديرات (نصر الله) تستبعد الحرب في زمن قريب، وإذا كانت الأوضاع الداخلية الإسرائيلية لا تتحمل الإقدام على مغامرة خطيرة، غير محسوبة النتائج تماماً، وإذا كانت إدارة أوباما ترجّح الحلول السياسية، ولغة الحوار والتفاهمات.. فلمَ، ولمن تدقّ طبول الحرب إذاً؟؟..

الحرب هي ممارسة السياسة بطريقة عنيفة، أما قرع الطبول فإنه يحقق، بالتأكيد، جملة أهداف لقارعيها.

ـ الكيان بقادته (الجوارح والنهاشين ومصاصي الدماء) يريدون الوصول إلى سقوف جديدة في استراتيجية الكيان، وأقله: امتصاص الوضع الداخلي لصالح المزيد من التأييد، وتصعيد وتيرة العنصرية، استعداداً لمزيد من عمليات التهويد، ومحاولة ترحيل عرب فلسطين، أو وضعهم في زجاجات خانقة، وتمييع ما يسمى بالمفاوضات مع الفلسطينيين، أو فكرة الانسحاب من الجولان. وهو، مما لا شكّ فيه، لا يقبل أن تصل إيران إلى مرحلة إنتاج السلاح النووي، وسيحاول بوسائل كثيرة إجهاض الوصول (حتى لو اضطرّ في أفق ما، وبعد فشل الأوراق البديلة، إلى استخدام القوة عن طريق ضربات جوية قوية).

لكن المزيد من التصعيد اليميني. المزيد من ضبط إيقاع التناقضات الداخلية الإسرائيلية، المزيد من إعطاء المبررات لسياسات اليمين الإلحاقية، التهويدية، خاصة إزاء القضية الفلسطينية، والمناطق العربية المحتلة(الجولان وبعض الأرض اللبنانية).. يجد مسوّغاته، ومرتعه في انتشار الخطاب المتشدد والناري في المنطقة، وعبر رافعي شعارات المحق، والحرب والإزالة (والتي لم تحرر أرضاً، ولم تدحر كياناً، أو توقف عدواناً، أو تجد ترجمات لها).. وليس من خلال أوضاع عاقلة، متعقلة، تحسب جيّداً موازين القوى، وتنهج الخطوات العملية في الصراع التاريخي (متعدد الأشكال) التناحري، المصيري مع هذا الكيان العدواني، الاستيطاني، انطلاقاً من تعزيز الوحدة الوطنية داخل كل بلد، ووصولاً إلى أوضاع ديمقراطية تصون كرامة وحريات وحقوق المواطن، وتفتح المجال للتعددية، وخيارات الشعب في انتخابات حرّة تشارك فيها جميع القوى السياسية على قدم المساواة، ووفق قوانين تطبّق على الجميع، وبالتالي: قيادة الصراع بكل تلاوينه ومستلزماته.

والذي لا شكّ فيه.. أن ما يجري في المنطقة العربية منذ سنوات، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبروز الدور الإيراني بمشروع طموح (قومي ـ ديني مذهبي)، وامتطائه بقوة شعارات المشروع القومي العربي النهضوي، خاصة في " الصراع العربي ـ الصهيوني"، وإزاء القضية الفلسطينية، ومجابهة الوجود الأمريكي في المنطقة.. بواقع غياب كلي، مريع، وملفت، ومزرٍ للنظام العربي (معظمه يقعد في خندق الأعداء، ويتآمر على فلسطين وحقوق العرب، وعلى المقاومة العراقية).. لا شكّ أنه يصبّ في صلب المشروع الصهيوني: التفتيتي، الشرْذَمي، ما لم يكن تجسيداً له بأشكال مختلفة. وهنا، بغض النظر عن النوايا، ورغماً عن كل تلك الشعارات والخطابات النارية التي تستهوي أفئدة وأحلام المواطن العربي، فتزجّه فيها بين اليقظة والغيبوبة.

نعم.. ما حدث في السنوات القليلة الماضية من تأجيج طائفي ـ مذهبي، وصراع يُراد أن يتخذ طابعاً دينياً، والانتقال إلى ترجمات عنيفة له في العراق وساحات عربية عديدة.. خدم ويخدم الاستراتيجات بعيدة المدى للصهيونية ومن والاها، لأنه لا يمكن معادلة جميع التناحرات، والانقسامات بتلك العمودية التي تتمّ، والتي تترك آثارها البعيدة لأجيال وأجيال..

وبالتالي: فإن أسئلة مشروعة يطرحها الواقع عن فحوى ومعنى الشعارات الأخرى، وعن أهداف قرع طبول الحرب في هذه الفترة.. وهل هي فعلاً حقيقية، وباتجاه مواجهة، أو درء مواجهة مع كيان العدوان، ومع الوجود الأمريكي المحتل لأرضنا، وسمائنا، وبحارنا، وثرواتنا، ونظمنا..؟؟..أم أن الدقّ يرمي إلى أشياء أخرى، لنصبح، نحن العرب، كمن أخذته الطوفة.. لا يدري ماذا يصير، ولا حول ولا قوة له سوى البحث عن قشّة يتعلّق بها؟؟ وسوى أن يكون وقود الحرائق والدمار دون أفق، أو خطة للتحرير، ناهيك عن إزالة الكيان ومحقه؟؟..

السؤال الكبير الذي يجب طرحه بصراحة، وشفافية: هل إيران القيادة الحالية صادقة، وجادّة فيما تطرح من شعارات العداء للكيان الصهيوني، وأنها ستمحقه، وتسحقه، وتزيله من فلسطين فتريحنا منه، ومن شروره للأبد؟؟ ومثل ذلك فيما يتعلق بالوجود الأمريكي الكثيف في بلادنا (العراق مثال، وساحة وكاشف وامتحان)؟؟..

أم أن المشروع الإيراني وهو يواجه إشكالات داخلية قوية(تعبيراً عن أزمة الانقسام التي برزت بعد الانتخابات الرئاسية)، وهو يندفع (لذلك، ولأسباب أخرى) فيما يظهر تحدّياً لإرادة الدول المتحكمة بالعالم.. يحتاج بشكل طاغٍ إلى ذقّ الطبول وتسخين الأجواء، بل وحتى توريط الآخرين ليكونوا الأداة والساحة.. كي يستمر المشروع الإيراني، وكي يتواصل نهج التشدد اللفظي، فيجتاح المنطقة طوفان الاختلاط والتناحر، وتصبح الأقطار عرضة للمزيد من التفسيخ والحروب؟؟..

لا شكّ أننا شعوب عاطفية، وأننا ننسى في لحظات الاندفاع عقولنا وقناعاتنا، وكل مضامين ووعي التجارب والدروس فننساق في طوفة الدقّ وننتشي، ناهيك على أن القضية الاجتماعية ضامرة ومسحوقة أمام الوطني القومي (حقيقة كان أم افتعالاً)، وأن جلّ شعوبنا لا تعي حقوقها الديمقراطية في حرية التعبير والرأي والحياة الكريمة، والمساواة أمام القانون.. لذلك يغريها دقّ التسخين، وينسيها كل شيء آخر..

وإذا كان الأكيد أن الوطن فوق الجميع (قبل أي نظام ومعارضة)، وأنه إذا ما تعرّض لخطر أو عدوان خارجي.. فالبديهي أن يقف أبناؤه في خندقه (بغض النظر عن طبيعة الحكم والمرحلة).. لكن الأكيد أيضاً وجوب وعيّ الذي يجري وخلفياته، وأسبابه، والمستفيد منه كي لا نكون (كالأطرش في الزفّة)، أو كالأطفال الذين يضحكون لإسكاتهم بقطعة حلوى، أو لعبة.. وأقله أن نفهم حقيقة هذا الدقّ ومؤداه، وحقيقة الأهداف التي يرومها الأطراف الأساسيون منه وفيه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق