15‏/07‏/2009

غسيل الأخبار!


الأسوأ من غسيل الأموال في عالمنا العربي، هو غسيل الأخبار، حيث يحدث ذلك على مدار الساعة من دون حسيب أو رقيب. ففي عالم الانترنت، والفضائيات، ورسائل الجوال، تجد عملية غسيل الأخبار رواجا كبيرا، وتسهم في ذلك بعض وسائل الإعلام، بقصد أو بدونه.
أبسط مثال على غسيل الأخبار تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في محاضرته بدمشق قبل أيام، حيث قال «خسرنا 1500 شهيد، لكن بناتنا الحرات، وأخواتنا المجاهدات أنجبن في فترة العدوان أكثر من 3500 طفل فلسطيني».
هذه المعلومة ذاتها كانت قد نشرت كعنوان يوم 19 يناير 2009 في إحدى الصحف السعودية، يومها تحدثت مع رئيس تحرير المطبوعة حيث كنا بالكويت، سألته كيف يحدث ذلك والمستشفيات تتعرض للقصف، فهل تعلمون انكم تبرئون إسرائيل بذلك، خصوصا أن لا مصدر للخبر!
أبدى الزميل انزعاجه من العنوان قائلا «إن فيه استرخاصا للدم الفلسطيني». إلا أنني فوجئت عندما قرأت تصريحات أبو مرزوق بأنه يستشهد بالمعلومة ذاتها، عند حديثه عن انتصار حماس، وكأن الموت والحياة أمر لا قيمة له!
بحثت عن الخبر مجددا، ولم أجد له أثرا، كل ما وجدته هو تصريح في صحيفة غربية يبدي قلقا على أوضاع الحوامل بغزة، على اعتبار أن القطاع يشهد قرابة 150 إلى 170 حالة ولادة يوميا في الأيام الطبيعية.
وجاء ذلك التصريح في سياق مطالبة الغرب بالضغط على إسرائيل، من أجل اتاحة فرصة للمساعدات الإنسانية في غزة، فقام تجار الدم بعملية حسابية مضللة، ومن ثم قاموا بغسل الخبر صحافيا.
والآن يستخدم الخبر للدلالة على النصر والصمود، والمزعج أن هذه المعلومة تقلل من حجم جرائم الإسرائيليين في غزة، خصوصا أنه من المفترض أن يكون هناك رصد لجرائم العدوان الإسرائيلي.
والغريب أن تصريحا صادرا عن مكتب «اليونسيف» حول الأوضاع الانسانية في غزة، يقول إن المنظمة زودت وزارة الصحة الفلسطينية بحوالي 20 حقيبة للقابلات والمواد الكافية لحوالي 100 حالة ولادة لمدة شهر واحد على الأقل في غزة.
غسيل الأخبار ليس بالأمر المقصور على حماس وحدها، بل يمارسه حتى الإخوان المسلمون، وإن كان الأمر لعبة حزب الله بكل اقتدار عبر المواقع الإنترنتية المحسوبة على الحزب، وتحت أسماء إسرائيلية مزيفة، أو عبر صحف إيرانية ناطقة باللغة العربية. وأحيانا عبر بعض مراسلي وكالات أجنبية معروفة، يتم تسريب الخبر على المواقع المحسوبة للحزب، أو عبر وكالة أنباء محددة، ومن ثم تتلقفه المنافذ الإعلامية للحزب، وصحف أخرى لبنانية وسورية، وتبث الخبر بعد غسيله.
شاع خبر عن تعزية أحد السياسيين لحزب الله بعد اغتيال عماد مغنية بدمشق، سألت السياسي هل قدمت تعازيك؟ قال لا! سألته لماذا لا تنفي؟ قال «سرب الحزب الخبر بعد اتصال بيني وبينهم، حول موضوع لا علاقة له بمغنية». ويضيف السياسي «إذا نفيت فسوف أصطدم مع مريديهم بالشارع، والنصائح الأمنية تقول إنني قد أتعرض لاغتيال، وفي حال صمتي بالطبع، فذلك يسهم في التشكيك في مواقفي»!
لذلك لابد من رصد غسيل الأخبار في منطقتنا وإعلامنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق